حين تمتلك مدينة ما مقوما من مقوماتها السياحية، فهي تمتلك كنزا من كنوز التسويق لها اقتصاديا وثقافيا وفنيا، ومدينة الأحساء بعراقة حضورها على جميع الأصعدة امتلكت قبل أربع سنوات تقريبا مشروعا له هذه المقومات لكنه سرعان ما توارى وغاب، ليسجل بغيابه هذا فراغا واضحا على خارطة السياحة المحلية، إنه «مهرجان سوق هجر».
ومهرجان «سوق هجر» له طبيعة مختلفة، منها يكتسب أهميته، وقوة تأثيره، هذه الطبيعة تكمن في كونه مهرجانا يبحث في تاريخ المنطقة، ويتوخى استعادة هذا التاريخ وتجسيده على أرض الواقع، بمعنى أنه لا يركن إلى الترفيه بقدر تقديم وجبات ثقافية تتمركز على تاريخ المنطقة القريب والبعيد لا جمهور المتلقي، لذلك قدم في نسخه الثلاث التي توقف من بعدها بكل أسف ثلاث حقب تاريخية، فكانت ثيمة النسخة الأولى اسلام «عبدقيس» ووفادتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت ثيمة النسخة الثانية منه حقبة لبعد اسلام «عبدقيس» والأحداث التاريخية الموالية لهذا الحدث المحوري في حياة القبائل التي قطنت المنطقة الشرقية آنذاك، أما النسخة الثالثة فعادت فيما قبل التاريخ، لتعيد تجسيد مدينة «الجرهاء» العريقة بما لها من تأثير اقتصادي في تلك الحقبة الموغلة قدما.
حين اشير إلى طبيعة هذا المهرجان التاريخي الثقافي إنما أجيب ضمنيا على من يقول: كثير من المهرجانات توقف ليس فقط مهرجان «سوق هجر»، وهنا يكمن المعنى فيما أريد تأكيده، من أن غياب المهرجانات الترفيهية المعتادة والبسيطة في فكرتها وتنفيذها يمكن تعويضه بمهرجانات شبيهة وببساطة شديدة، بيد أن التخلي عن المهرجانات المتفردة في ثيمتها وفكرتها وشكلها وتوجهاتها خسارة فادحة للمشروع السياحي برمته، وهو ما سجله مهرجان «سوق هجر» من فراغ واضح في أجندة سياحة الأحساء، بل وسيظل مكانه شاغرا بعد النجاح الكبير الذي حققه، والنكهة الجديدة التي قدمها للجمهور في مفهوم المهرجانات وتحديثها.
هنا أتساءل وبحرقة وعتب: أين الهيئة العامة للسياحة عن مثل هذا المهرجان؟ نحن نعلم جهدها ونعلم أن من مسؤولياتها وأولوياتها دعم وترسيخ التجارب السياحية المتفردة في مختلف مناطق المملكة؟، إذ كان لها دور كبير في ذلك، فكيف يغيب ببساطة عن أجندتها مهرجان يسوق للمنطقة سياحيا عبر تاريخها وتراثها ومقوماتها المعرفية كمهرجان «سوق هجر»؟، فطالما علمنا أن الهيئة العامة للسياحة حريصة على تبني المشروعات المتكئة على التاريخ، بل كان مندوبوها يجرون استفتاءاتهم الدورية عن المهرجان وعدد زواره، ومدى تأثيره، ونحن نتوجه إليها لأنها أول جهة تعمل على كل مقوم سياحي في وطننا العزيز.. إنها الهيئة العامة للسياحة، فهل ناقشت الهيئة أو تساءلت عن توقف «سوق هجر»، على أقل تقدير كي تدعم وجوده أو حتى تبنيه كليا؟.
يبقى الأمل كبيرا ومفتوحا لعودة هذا المهرجان التاريخي الثقافي، الذي بنى جسرا معرفيا ثقافيا متينا في ظرف ثلاث سنوات بين الناس كمتلقين وبين تاريخ المكان الذي يترعرعون عليه، وجلب من الكتب القديمة والدفاتر العتيقة حكايات وحكايات قلما يتوصل إليها رجل الشارع العادي لتقدم بين يديه على طبق من الدراما والتشويق والمتعة، وصنع هذه الخلطة السياحية المبهرة بين عراقة التاريخ وتطلعات الحاضر، فهل نشاهد قريبا النسخة الرابعة من «سوق هجر»!!!!