القارة هي الجبيل الصغير المتقطع من الجبال وهو أكمة حواليها الضياع والنخيل، ونصل إلى التعريف المتفق عليه وهو أن القارة هي الجبل الصغير المتقطع من الجبال شبه الأكمة وهو مستدير مستدق شبه ملموم في السماء. والقارة هي الأصاغر من الجبال والأعاظم من الآكام.
كنت أدعو قبل عشرين سنة أدعو مثقفي هذه الحواضر لأن يمتشقوا أقلامهم ويردوا بعض جميل أو معروف هذه البلدان التي وُلدوا على ترابها وشربوا من زلالها وأكلوا من ثمارها وتنفسوا هواءها أن يردوا بعض هذه النعم بأن: يكتبوا عن تاريخ هذه الأماكن فكلها تاريخ وآثار ورجولة وشهامة.. كنت أحث إخواني أصحاب القلم وأصحاب الثقافة العريضة والطويلة أن يثلجوا صدورنا بالبحث والتنقيب والجمع وإخراج كل بلدة في كتاب منفصل.
واستجاب الأستاذ عبدالله المطلق من الطرف ودوَّن (البوابة الجنوبية للأحساء) وجاء سفراً ضخماً وتبعه الشيخ عبداللطيف العقيل رحمه الله بـ (الجفر ماضيها وحاضرها) ثم المنيزلة للأستاذ (إبراهيم بن حسين البراهيم) وأخيراً أهداني الأستاذ المثقف الشاب أحمد العيثان سفره الضخم والفخم (ماضي القارة وحاضرها) في جزءين كبيرين فاحتضنت هذا المؤلَّف القيم فبدأت في قراءته وبدقة – قرأته صفحة صفحة فرافقتني ثلاث حالات لم تفارقني حتى النهاية إنها (التعب والإرهاق). لأنه يزيد على الألف صفحة مفعمة بما لم أعهده في كتب التاريخ المعتادة – والثانية الفائدة.. فكل صفحة فيه تضخ لك من المعلومات والفائدة ما لم يكن في الحسبان.
وأما الثالثة فإنها المتعة والشفافية التي ظهر بعضها في السطور المكتوبة وظهر بعضها في الصور المنشورة والوثائق المصورة.
المؤلف والباحث الأستاذ أحمد بن معتوق العيثان والذي أثرى المكتبة الأحسائية بسبعة مؤلفات بحثية وروائية وخواطر. هذا الشاب الوديع والذي يتمتع بهدوء وسيم ووسامة هادئة ناهيك عما يضم صدره من العلم والمعرفة والأدب. الأدب الذي تلحظه في شخصه وفي كلامه وتعامله معك ومع الآخرين شاب عميق الفكر هادئ الطبع انعكس علمه وثقافته على شخصه فإذا أردت أن ترى انعكاساً للأدب والثقافة في شخص والعكس.. فتوجه إلى أحمد العيثان فإنك سترى الأدب قلباً وقالباً أحمد الذي في وُلد أحضان الجبل (جبل القارة) ونشأ وترعرع تحت ظلال نخيلها والذي بذل من راحته وعلمه وثقافته، فأهدى بلدته وأهدانا (ماضي القارة وحاضرها) رغم ما لاقاهُ الأستاذ أحمد من قلة المصادر وعدم التشجيع من البعض وعدم التعاون ممن لديهم المعلومة وطول بحث المادة والزمن اللذين يقللان من حماس الباحث ولقد صدق حين قال: أي باحث يدخل في هذا المجال ترمقه الأبصار بحذر وتتعامل معه العقول بريبة وخوف وتأتيه الاتهامات من كل حدب وصوب وبصورة عجيبة، فيبتعد الناس عنه ويتم إقصاؤه وهذا ما حصل لي بصورة واضحة لا أريد هنا أن أسهب في هذه النقطة لحساسيتها. وأقولها هنا إن الأمر كان طبيعياً جداً، وقد يحصل لأي باحث وهذا ما لمسناه من تجارب من سبقونا. ولكن هي نفثة أحببت أن أقول جزءًا يسيراً منها، وما خفي كان أعظم لأن المواقف التي واجهتها كادت تنسف كل شيء وتقضي على هذا البحث بشكل نهائي.
إن البحث ظهرت فيه جليةً شخصية الباحث بكل ما تتميز به من جدية ونشاط وإخلاص لبلدته وللبحث. الأستاذ أحمد فيه من الصفات العصامية ما تجعلك تؤمن بأن العصامية باقية في شباب هذا العصر والأستاذ أحمد نموذج حي يرسم لك سمو الهدف والإصرار على الوصول إليه وهو شخص من هذه المحافظة (الأحساء) ومن القارة ولكنه علم من أعلامها كجبلها الأشم ولها الحق بأن ترفعه عالياً بصفته أديباً ومثقفاً ونفع بلدته.. نعم لها الحق بأن تفتخر به والقارة حافلة بالأعلام الضخام وأصحاب الأقلام مثل أبي جلواح وأترابه.. ولكن أحمد العيثان وبهذا المؤلف الذي رفع به رأس القارة عالياً يعتبر علماً في رأسه نار وستذكرك الأجيال يا أحمد وتقول بأنك خلدت لهم بلدك (القارة). بارك الله فيك وفي جهدك.