جاءت التعديلات الـ38 التي أعلنتها وزارة العمل على نظام العمل الجديد مريحة للشركات السعودية إلى حد ما بعد سلسلة من الشد والجذب بين الوزارة والقطاع الخاص، ويمكن النظر إليها على أنها بمثابة دعوة لفتح صفحة جديدة في توقعات الوزارة من أصحاب العمل.
ويمكن ملاحظة تعديلات جوهرية تعطي صاحب العمل ضمانات تشجيعية لزيادة السعودة منها على سبيل المثال تمديد فترة التجربة إلى ضعف ما كانت تسمح به المادة السابقة المتعلقة بفترة تجربة العامل السعودي، وتمديد صلاحية العقود محددة المدة من ثلاث إلى أربع سنوات قبل أن يتحول إلى عقد غير محدد المدة.
كما خلت التعديلات الجديدة من أية قرارات متقدمة كانت الوزارة قد لوّحت بها مراراً مثل إلزام القطاع الخاص برفع نسب أجور السعوديين إلى غير السعوديين أو إلزام القطاع الخاص بإجازة اليومين وغيرها من القرارات التي ظلت محل جدال لم ينته محلياً في تقييم مدى فاعليتها، وإمكانية تطبيقها وأثرها الاقتصادي.
المواد المعدلة أيضاً تضمنت بعض البنود التي تحتاج في ظني إلى الانتظار لتقييم مدى إمكانية تطبيقها وفاعليتها منها على سبيل المثال ما يتعلق برفع نسب تدريب السعوديين في المنشآت التي يفوق عدد موظفيها 50 عاملاً لتصل إلى 12% من مجموعهم بدلاً من 6% لكن ما زال تقييم نوع التدريب والحد الأدنى لتكلفته، وإمكانية رصد المخالفات في هذا الشأن ومتابعتها بدقة محل تساؤل، إلا إن كان لدى الوزارة آليات جديدة تضمن بها عدم تعطل هذا البند كما كان منذ إقراره في المرة الأولى.
وللأمانة فإن وزارة العمل في كثير من القرارات تعي جيداً أهمية وجود آليات مراقبة كما حدث عندما ذهبت الوزارة إلى أبعد حد ممكن في ضمان تسليم رواتب السعوديين من خلال الكشوف ومطابقتها بنكياً، لكن الأمور التي تتعلق بعلاقة صاحب العمل والعامل أصعب بكثير إذا لم ترتبط بتوثيق مالي من طرف ثالث.
في المقابل يبدو إلزام الشركات بأخذ موافقة خطية من الموظف قبل نقله إلى موقع آخر تحتمه مصلحة العمل غير عملي خاصة في شركات المقاولات والحفريات والتنقيب والخدمات اللوجستية والنقل والأمن والسلامة وغيرها والتي تعاني نظراً لطبيعتها ضعف استيعابها للسعوديين.
مثل هذه الاشتراطات التي تهدف إلى تشجيع السعوديين للعمل في القطاع الخاص ومنها على سبيل المثال ما يتعلق بتمديد الإجازات يزيد من الفجوة القائمة حالياً بين الموظف المواطن والموظف غير المواطن لتصب في صالح الأخير قطعاً والذي يظهر أكثر مرونة وأكثر تواجداً في المكان المناسب ما يمهد له الطريق لتقلد المناصب القيادية.
وبعيداً عن النظرة التشاؤمية حول ما تتيحه العديلات الجديدة من فرص للتلاعب على سبيل المثال تدوير السعوديين خلال شهور التجربة التي تم تمديدها مع احتساب السعودي في نطاقات من اليوم الأول، وكذلك تمديد فترة العقد محدد المدة وغيرها تماشياً مع استمرار الجري وراء عدد السعوديين ولو ظل تواجدهم في وظائف هامشية أو بالحد الأدنى من الأجور.
إحدى الأفكار المطبقة في أغلبية دول العالم والتي ما زلت مقتنعاً بضرورة دراستها بعناية هي المساواة الكاملة بين العامل السعودي وغير السعودي في المزايا والشروط والأحكام المتعلقة بنظام العمل إلى أبعد قدر ممكن، والانتقال من فكرة الحلول التوفيقية المتضاربة بحثاً عن تشجيع صاحب العمل على توظيف السعوديين والموظف السعودي على قبول الوظيفة، إلى فكرة رفع المنافسة بين السعودي وغير السعودي عن طريق تضييق الفجوة بينهما.
التعديلات الأخيرة لنظام العمل جاءت أكثر مراعاة لتطلعات القطاع الخاص من أي وقت مضى، لكنها لوحت بنية الوزارة تعزيز آلية التفتيش والتي غابت عن برامج الوزارة منذ بداية مشروع السعودة، ولعل إعادة هذا العامل إلى المعادلة الحالية التي تجمع الوزارة بالقطاع الخاص يبقي الأمنيات في أن تسفر التعديلات الجديدة عن تقدم في ملف السعودة ولو بصورة محدودة.