إني ممتن لدعوة معالي وزير التعليم اليوم لإطلاق مشروع الوزارة "فطن". ويظهر لكم المقال، وأنا بعدُ لم أحضر، ولم تستعرَض أمامنا النقاط التي تجمع خط وهيكل المشروع الذي قصده إيقاظ الوعي لمواجهة ورصد كل ما يربك الفكر الطبيعي للطلاب.
أحيانًا، بزعمي، نغفل عن علم مهم ضمن نطاق الأنثروبولوجيا النفسانية، وهي ببساطة أن نضع أنفسنا مكان الآخرين، ثم من هناك نوجههم. أقرب لكم الفكرة، هناك أمران في الإرشاد الملاحي أكان جويا أم بحريا، الإرشاد المستقر وهو الذي يأتي من برج المراقبة، والإرشاد المتحرك وهو الذي يأتي من قمرة القيادة في الطائرة أو في السفينة. كلاهما هام جدا لعملية الإرشاد فالمراقبة المكانية عامة، والتي من قمرة القيادة ظرفية مباشرة ودقيقة. وهنا الفرق لما نتعامل مع العقول، خصوصا تلك اليافعة في المدارس وفي الجامعات.
الدأب الذي مارسناه هو الاعتماد على الإرشاد المستقر، أي ذلك الإرشاد البرجي الذي لا يضع نفسه مكان من يُراد إرشاده، فتنتهي عمليات إرشادٍ مهما كان تعب الإعداد والدراسة والتطبيق لمنطقةٍ مذبذبة غائمة أشبه بالخواء، تجنبا للقول بالفشل، لأن لا فشل حقيقي بأي عمل نقوم به ونحن جادون وصادقون، لأن الفشل أحد أعمدة التعلّم الراسخة في الحياة التطبيقية. وعندما نكرر ذات الخطأ من جديد فالمسألة هنا إصرار على الفشل فنخرج عن "الحصة" الدراسية، وتخرج عن حكمة الاستفادة من أهم مصادر التعلم قوةً وهو الفشل أثناء العمل والبحث الجادَّيْن.
القصة الأهم أنه منذ وجدنا ونحن نملك شخصية. يذهب علماء الاحياء النفسي ويقولون لك، الوليد يخرج من رحم أمه وله قاعدة تحتية صلبة مرسومة في أصل شفرته الجينية، وهي الشخصية الخاصة به، إذن الإنسان ليس "صفة عامة"، بل هو "حالة خاصة". ومن أسباب الأخطاء الطبية الشائعة أن الأطباء بعياداتهم يعمد بعضهم للعلاج من الكتاب لكل مرضاه وكأنهم نسخ واحدة، مع أن أول ما يتعلمونه بمبادئ الطب هو عكس ذلك، ولكن بدون نظام لإيقاظ الوعي الذاتي. كل إنسان حالة علاجية ومرضية خاصة، بمعنى عندما أصاب أنا بالزكام وصديقي بالزكام فهناك اختلاف كبير بيني وبينه جسديا مع أن المرض واحد من حيث مثلا قوة المناعة، أو صحة الدم، أو قدرة الاستقبال على الدواء وامتصاصه بل حتى مقاديره، فلا يتنبهون أن التشخيص العلاجي يبدأ من فهم الشخص كفرد، وليس كنوع. وأبسط مثال بعض المضادات الحيوية، فبينما يكون ناجعا منقذا عند مريض، يكون سامّا أو قاتلا عند آخر.
تسقط تنظيراتٌ واعمالُ توعيةٍ بالمدارس لأنها تعتمد أفكار المخططين، وكأن المتلقين من التلاميذ نسخ واحدة، وبرأيي أن هذا وصفة مثالية للإخفاق.
الشخصية حين نريد إصلاحها أو تقويمها أو تغييرها يجب أن نفهمها أولا، نفهم تركيبتها الخلقية، وظروف التأثر البيئي، ومقدار ونوعية الفهم، وبناء العلاقات، والاستعدادات والميول. سيأتي من يقول وكيف أعمل ذلك لملايين الطلاب، مستحيل؟ وأقول له سؤال صحيح وعاقل. هنا نعمد لذكائنا العقلي ونصنف الشخصيات مجموعات تحت جدول فيه خانات الجغرافيا، والبيئة المؤثرة، والطبع العام.. ثم ننطلق بالدراسة.
إني أتعجب لمّا أرى تغير المفاهيم وطريقة قبولها في مدينتي الدمام، وما رأيته بالمجمعة، وحائل، وجيزان. لا يعني هذا خللا هنا ولا هناك ولكن تغيرا طبيعيا في الذات الشخصية التي يفرضها الوضع والظرف الخارجيَّان. لذا أجد ردودا على نفس الرأي يختلف بطريقة تفاجئني من مكان لآخر.
أظن علينا أن «نفطن» لذلك أيضا!