يصعب على الانسان المسلم تحديداً أن يتصوّر أن يضع أحد والديه في دار للمسنين نتيجة اصابته بأمراض الشيخوخة أو لصعوبة الاعتناء به، لقد كانت هذه الفكرة وما زالت مرفوضة على المستوى الأخلاقي والاجتماعي في مجتمعنا المسلم الذي يعتبر فيه عقوق الوالدين من الكبائر، وهذا ربما ما يفسر قلة عدد دور المسنين في المملكة حيث تبلغ ١٢ مركزاً فقط، وهو رقم صغير جداً قياساً إلى عدد سكان المملكة وكذلك بالنسبة لزيادة عدد المعمرين نتيجة الرعاية الطبية والتغذية الجيدة والعيش الملائم واختفاء الكثير من الأوبئة.
وبالتأكيد لم تتأسس بسهولة دور كبار السن هذه، ولا ينظر إليها دائماً تلك النظرة الايجابية الرحيمة، فهناك من لا يزال يرفض ويعاند فكرة أو أي تصوّر بهذا الشأن، ولكنها أنشئت منذ البدء بسبب رؤية تبناها أشخاص على درجة من الاحساس بالمسؤولية وبأهمية وجود هذه المرافق، حيث بدأت الرعاية الإيوائية للمسنين في المملكة عام 1354هـ عندما أسس مدير الأمن العام مهدي بك مصلح- رحمه الله- دارا لإيواء العجزة من الحجاج الذين يتخلفون بعد الحج لوقايتهم من التسول، وقد نفّذ مشروعه هذا في بيت استأجره لهذا الغرض في مكة المكرمة.
قد أكون واحدة من الأشخاص الذين يرفضون بشدة أن يعيش المسن خارج أسرته، ولكنني ما زلتُ أجزم بأن ١٢ مركزاً ليست كافية أبداً، وأن انشغال الأبناء وسفرهم ونوعية الحياة العصرية السريعة وطرق العناية التي يحتاجها المسن قد تجعلنا نرفض أن نكون عبئاً على غيرنا من البشر حتى وإن كانوا أولادنا. وهذا ما توصي به أيضاً الدراسات العلمية الحديثة من ضرورة إنشاء مركز وطني لرعاية المسنين بالمملكة تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية، فضلاً عن توفير الكوادر الوطنية المؤهلة. اما الادعاء بأننا جميعاً نعتني بالكبار في منازلنا فأظنها مسألة فردية. كما أن البيوت أسرار، وسر معاملة كبار السن يجب أن تطلع عليه السلطات وتنظمه القوانين. وتحميه أىضاً من الانتهاكات أو اساءة المعاملة.
لهذا.. ومن أجل اليوم الدولي للمسنين الذي يصادف الأول من اكتوبر كل عام، ومن أجل الأيام القادمة التي قد نعيشها وقد تجعل منّا عجزة ومسنين، من أجل أبنائنا الذين سنعذرهم حين يحين مستقبلهم وينشغلون عن رعايتنا، من أجل الحياة التي نرغب في أن نعيشها بكرامة أكبر في عمر أكبر، أظنه حان الوقت ليس فقط لزيادة عدد مراكز رعاية المسنين بل في تحسين الخدمات والبرامج المقدمة في الدور الحالية، ومحاولة استبدال الأنشطة البدائية بخطط وبرامج ووسائل أكثر حداثة وفاعلية، وكذلك الاستفادة من تجارب الدول التي لديها نظام تقاعدي عمره 100 عام، والتي ما زالت تحتل المراكز الأولى في سلّم حماية الشيخوخة والمسنين.