أكد الشيخ يوسف علي عينتي رئيس مجمع علماء الاسلام بالصومال أن الجهل والأمية الدينية التي يعاني منها كثير من المسلمين خطر داهم يهدد الامة الاسلامية وشبابها، ويعصف بقواها.
وقال الشيخ عينتي في حديث خاص لـ «اليوم» على هامش مشاركته في المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب ونبذ العنف والتطرف الذي نظمه الازهر مؤخرا: إنه لا بد من تفعيل دور العلماء والمؤسسات الدينية في مواجهة الأفكار الهدامة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الاسلام. وأضاف أنه يجب على الدول الاسلامية الغنية تقديم الدعم والمساعدات الاقتصادية للدول الاسلامية الفقيرة لكي تتمكن من القضاء على الفقر والتخلف الذي تعاني منه تلك البلدان. وفي الحديث التالي نتعرف على المزيد من آرائه حول بعض القضايا والمشكلات الراهنة التي يعانيها العالم الاسلامي:
- على يد من تتلمذت؟
تتلمذتُ على يد العلاّمة الشيخ محمد معلم، كان ذكياً وشخصية غزيرة بالمعلومات الدينية والتاريخية والأدبية والاجتماعية، درس في الأزهر الشريف، ونهل العلوم من علماء مصر، وعندما أتى إلى الصومال بدأ الصحوة الإسلامية، وضرورة إعادة الناس إلى معين دينها الصافي الذي لا ينضب بمرور الزمن وتغير الأحوال.
معرفتي بالشيخ تعود لعام 1968 واستمرت حتى وفاته في إيطاليا عام 2000 بعد أن تعرض لحادث سيارة في السعودية، وتم نقله إلى إيطاليا للعلاج، لكنه مدفون حالياً في مقديشو، الشيخ محمد معلم هو رائد الصحوة الإسلامية الصومالية بلا منازع، ذاق الويلات بسبب نشره للفكر الإسلامي الوسطي، ولقي ربه وهو داعية ينشر الدين، تفسيره للقرآن من أحب التفاسير؛ لأنه يجمع ما بين الأصالة والعصرنة، يقارن الماضي بالحاضر، يستخلص الدروس والعبر من بين ثنايا الأحداث بعقلية الباحث الحصيف.
الدكتور عبدالقادر جيدي حالياً هو بصدد تأليف كتاب عن ترجمة الشيخ محمد معلم، نسأل الله أن يبارك جهد الدكتور عبدالقادر جيدي، وننتظر صدور هذا الكتاب، الذي نأمل أن يكون إضافة حقيقية في المكتبة الصومالية.
- نريد منكم اعطاء القراء نبذة مختصرة عن مجمع علماء الاسلام بالصومال والدور الذي يقوم به؟ مجمع علماء الاسلام بالصومال هو مؤسسة علمية غير حكومية تأسس عام 1991م عقب انهيار الحكومة المركزية في الصومال، وأسسه نخبة من كبار العلماء الصوماليين برئاسة الشيخ محمد معلم حسن (يرحمه الله تعالى)، ويقوم بنشر الوعي والعلم وتدريس العلوم الشرعية، والمصالحة بين الفئات المختلفة، كما يقوم بوظيفة الافتاء والقضاء الشرعي، وله أعمال جليلة في توجيه المسلمين في كافة أنحاء الصومال.
دور العلماء
- رغم وجود هذه المؤسسة الهامة في بلادكم إلا أن هناك بعض الشباب الصومالي يمارس أعمالا تتنافى مع تعاليم الاسلام التي تأمرنا بالرحمة والتسامح ونبذ العنف والارهاب فما تعليقكم؟
معظم هؤلاء الشباب ليس لديهم علم حقيقي، ولم يعرفوا ان الله سبحانه وتعالى قد اختص نبي الإسلام محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم في القرآن بوصف الرحمة حيث يقول الله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وما ذلك إلا لعموم رسالته وأنه بعث للأسود والأحمر كافة، يدعوهم إلى الله في رفق ولين جانب، فالإنسانية رحم واحدة، خلقها الله مختلفة الشعوب والبقاع لتتآلف وتتعارف وتتفاعل، فلا سبيل إلى إزاحة دياجير الفتن التي تحدق بالأمة إلا بتنفيذ برامج جادة ومخلصة تنأى بمجتمعاتها عن الانزلاق في وحل الشبهات والأضاليل، وايضا تعليم الشباب وسطية الاسلام وتحصينه ضد الجهل والتعصب والتطرف، وإخراج الأمة من الجهل الديني، وبذل الجهد في تثقيفها وجعل المعلومة الدينية سهلة في متناول من يريدها.
- لكن ما الدور الذي يجب ان يقوم به علماء الاسلام لمواجهة التطرف لدى كثير من الشباب المسلم؟ لا بد ان يقوم علماء الاسلام بدورهم في مواجهة التطرف والتعصب لدى الشباب، وبالتالي لا بد من تفعيل دور العلماء والمؤسسات الدينية في مواجهة الأفكار الهدامة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الاسلام، وعودة علماء الشريعة إلى أداء ما أنيط بهم من تعليم شباب الأمة وتنويرهم وإبراز أسرار القرآن المتجددة، وهذا هو الشرف الأكبر، والمقام الأسمى عند الناس وعند الله (فخيرهم من تعلم القرآن وعلمه)، ايضا لا بد ان يكرس العلماء جل اهتمامهم بمحاربة الامية الدينية والجهل في المجتمعات الاسلامية، فمما لا شك فيه أن الأمة الإسلامية يسيطر عليها الجهل بعامة، وفي أمر دينها بخاصة، فقد انحسرت تعاليم الدين حتى أصبحت في رقعة ضيقة تحوي شيئا يسيرا من فقه العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية، أما تعاليم الدين الشاملة للحياة كلها، وأسرار التشريع التي بنيت عليها الحياة الخيرة الكريمة المتفاعلة مع الكون كله فلا يكاد الناس يسمعون بها، حتى أولئك الذين درسوا في الجامعات بمختلف مراحلها.
الاستقلالية والتفرّد
- «التجمع الإسلامي» هل له علاقة بتنظيم الإخوان؟
لسنا تنظيما إخوانيا دوليا، ولا يُوجد علاقة تنظيمية مع الإخوان من بعيد ولا من قريب؛ سوى علاقة العمل الإسلامي المشترك، طوال مسيرتنا الدعوية لم نسعَ للحصول على اعتراف من قبل الإخوان الدولي، وهذا دليل يبرهن وضوح رؤيتنا المتمثلة بتأسيس عمل إسلامي قطري، يأخذ في الحسبان التحديات والفرص المتاحة أمام عملنا الدعوي في إطارنا الجغرافي الذي يشهد صراعاً فكريا.
وفي العالم هناك تنظيمات إسلامية كثيرة لها نهج وسطي، وهي بالضرورة ليست إخوانية، وتؤمن بضرورة إحداث تغيير جذري سياسي واجتماعي واقتصادي داخل نسيجها المجتمعي، لنأخذ مثالاً الحركة الإسلامية السودانية وحزبها الحاكم والحركة الإسلامية التركية (حزب العدالة والتنمية التركي) وهما تنظيمان وصلا إلى سدة الحكم برؤية محلية والاعتماد على مواردها الذاتية والبشرية، ويطبقان الرؤية الإسلامية الوسطية في الحكم وقيادة المجتمع، ويحكمون بلدانهم وفق ما تمليه عليهم الظروف السياسية، مع مراعاة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وحتى الفكرية لأقطارهم.
نحن نؤمن أن الصومال فيها ما يكفي من الكوادر والرموز الدعوية القادرة على قيادة دفة العمل الإسلامي الوسطي، الطرح المحلي للأفكار أضمن واسلم من نقل تجارب الآخرين، وتطبيق المفاهيم الدعوية تكون موفقة إذا كانت منطلقة من بيئة محلية تجيب عن الأسئلة المصيرية للقطر المحلي.
أما تاريخياً فتأسست حركتنا عام 1986 كحركة إسلامية وسطية، ثم أخذت تسميتها التي اشتهرت بها وهي «التجمع الإسلامي» عام 2000، وخلال سنوات عملها في الصومال حقّقت إنجازات دعوية وسياسية، وإن كان هناك تقصير في مجالات أخرى.
علاج اسباب التطرف
- من وجهة نظركم هل محاربة التطرف لدى الشباب المسلم تقتصر على دور العلماء فقط أم هناك أدوار أخرى لجهات أخرى يجب القيام بها؟
-نعم لا بد ان يكون هناك دور مواز لدور العلماء، دور يقوم به الاعلام في التنوير، دور تنموي للقضاء على الفقر والتخلف، وهكذا يجب أن تتضافر الجهود كلها لمواجهة اسباب التطرف، فالجهل والتخلف والامية الدينية والتعصب كلها اسباب والتطرف نتيجة، فلا بد من معالجة الاسباب، والتطرف هو جنوح عن الاعتدال وتجاوز لمفهوم الوسطية، وهو نوع من الشذوذ السيئ، لأنه يعادي الجماعة ويقف بعيدا عن أفكارها ومبادئها، ومعتقداتها، بل إنه يذهب إلى حد تسفيه رأي الأغلبية والسخرية منها، وبهذا يشكل التطرف الفكري ظاهرة مرضية داخل المجتمع وخارجه أيضا، لأن الأفكار تنتقل وتتسرب كما تنتقل عدوى الأمراض دون حدود. والتطرف الناجم عن قناعات عقلية هو أخطر أنواع التطرف، لأن أثره لا ينحصر في النظرية التجريدية البحتة، والخاصة بالقناعة، بل يتخطاها إلى جملة من السلوكيات البادية في المأكل والملبس والملعب والحديث والتعامل بيعا وشراء، وسكنا وسيرا. واعتقاد المرء أنه على صواب، ويمتلك كل الحقيقة، مما يخلق عنده قناعة تامة بصواب ما عنده، وخطأ ما عند الآخرين، يستوي في ذلك الشخص الواحد أو الجماعة، سواء كانوا دولة أو مؤسسة، وهذا الاعتقاد يدفع الانسان المتطرف إلى التصرف في اتجاه تصويب الآخرين وإقناعهم بوجهة نظره، فإن اقتنعوا فيها ونعمت، وإن لم يقتنعوا لجأ إلى العنف، وهو الممارسة العملية للتطرف الفكري، وهو سمة اعتبارية يتسم بها الأفراد للتعبير عن آرائهم ومشاعرهم ومعتقداتهم بطريقة تخلو من التوازن الانفعالي.
جهود الاغاثة السعودية
- حدثنا عن الجهود التي تقدمها البلدان الاسلامية لمساعدة الصومال ولاسيما الجهود السعودية؟ المملكة العربية السعودية تعد من اكبر البلدان الاسلامية الداعمة للشعب الصومالى، والحملة السعودية لمساعدة الشعب الصومالي ومقرها مقديشيو تعد من انشط الحملات التي تقدم المساعدات للشعب الصومالي، لاسيما في الآونة الاخيرة، وبالتالي فانني اتوجه بالشكر الى المملكة العربية السعودية قيادة وحكومة وشعبا على دعمها المتواصل للشعب الصومالي ومد يد العون له وعدم تركه فريسة سهلة للفقر والتطرف، فكثير من طلاب الصومال يدرسون العلوم الشرعية بالمعاهد والجامعات السعودية. وانني ادعو الدول الاسلامية الغنية ان تحذو حذو المملكة العربية السعودية في مساعدة الشعب الصومالى، وتقديم الدعم والمساعدات الاقتصادية للدول الاسلامية الفقيرة لكي تتمكن من القضاء على الفقر والتخلف الذي تعاني منه تلك البلدان.
- كلمة أخيرة توجهها للعالم الاسلامي؟ أقول للعالم الاسلامي يجب عليكم ان تنظروا الى اخوانكم في الصومال وان تساعدوهم في اعادة الاعمال وان توفروا الادوية للمرضى بالصومال وان تساعدوهم في تعليم ابنائهم، وألا تنسوا المسجد الاقصي والقدس الذي يواجه خطرا داهما من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي التي تستغل انشغال العرب والمسلمين بمشكلات النزاعات الداخلية وتسعى لطمس المعالم العربية والاسلامية للقدس.
الضيف مع المحرر