أمر طبيعي أن يكون هناك قلق أو مخاوف شعبية عامة لدى أفراد الدول التي يعتمد دخلها الأساس على تصدير النفط، وتتزايد هذه المخاوف ليس في حالة الشعور بالخطر لعدم تنوع وتعدد مصادر الدخل العام فقط بل يتعدى ذلك في حالة انخفاض أسعار النفط كون ذلك مرتبطا بصفة مباشرة بمستوى معيشة الفرد ومتطلباته الحياتية.. ورغم أن الدول الخليجية قد لا تتأثر من انخفاض أسعار النفط في المرحلة الراهنة ورغم أيضا أن الأفراد فيها لم يتأثروا من هذا الانخفاض بشكل مباشر مسبقا، ولا أدل على ذلك من ان الإنفاق الحكومي للموازنة الأخيرة في المملكة العربية السعوية كان مرتفعا عن السنة السابقة رغم انخفاض أسعار النفط، إلا أن الحديث في هذا الموضوع بدأ يتزايد كثيرا ويتحدث به من يفقه بالشأن الاقتصادي ومن لا يفقه فيه؛ وهذا مؤشر جيد من ناحية أن عموم الناس تتباحث في قضاياها وتفكر في حاضرها ومستقبلها وتشعر بالقلق عليه وهي في حالة الأمن والشبع، فالأفراد بجميع أطيافهم وطبقاتهم الثقافية والفكرية يؤثرون بما يتوحدون عليه من رأي عام في الخطط التنموية والاستراتيجية، فكلما زاد وعيهم وارتفعت قيمهم الاقتصادية والاجتماعية انعكس ذلك على قضاياهم الأمنية والاقتصادية. أما المؤشر السلبي في التباحث في قضايا الشأن العام بين عموم الناس، أن تكون نقاشاتهم المتداولة في المجالس الشعبية أو حتى المتواترة في وسائل التواصل الاجتماعي؛ هي التباحث أو تبادل الآراء في شائعات ليس لها أساس من الصحة، فتكثر المبالغات والإحباطات.. فعند الحديث عن السياسة التقشفية للحكومة وهي أمر طبيعي يحدث في جميع دول العالم في ظروف معينة، تبزع إشاعات أو مزاعم كبيرة تتحدث في بعض الحالات عن قضية تخفيض وإيقاف الرواتب والبدلات والعلاوات السنوية بطريقة مجانبة للحقيقة، وتشعر بأن من يحدثك ويؤكد لك هذه المعلومة أنه اطلع عليها من مصدرها مباشرة بكل ثقة!! وأنا لا أعلم حقيقة مصدر هذا التشويش في التفكير الجمعي، هل هو ناتج عن ضعف قدرة المحللين الاقتصاديين على إيصال المعلومات التحليلية في هذا الصدد بطرق ميسرة للفهم العام؟ أم ضعف المحللين الاقتصاديين أنفسهم في فهم القضايا الاقتصادية وترابطها بعوامل معينة خارجة عن فهمهم بالشكل الصحيح، وبالتالي تقديم معلومات وتحليلات ليس لها علاقة بواقع القضية؟.. أم إن المشكلة ليست مقتصرة على ذلك وذاك مما سبق، ويدخل فيها عامل آخر مرتبط بالشعور الجمعي عند فئة من الأفراد، وهو القابلية العالية لتصديق الشائعات أو حتى الاستمتاع بالحديث عنها وإثارتها.. ليس عيبا في أي نقاش عام أن تطرح كل الآراء وتناقش لكن العيب أن يتم الجزم بأمور لم تحدث بعد وربما لن تحدث. إن الأسوأ من العامة في تدويل الشائعات، فئة "المتفلسفين" وهم المحسوبون على التيار المتخصص من زمرة الاقتصاديين أو حتى السياسيين، وخاصة أولئك الحريصين على الظهور كثيرا في وسائل الإعلام، والذين يتحدثون في الشؤون الاقتصادية أو السياسة ويقدمون تحليلات بعيدة عن الواقع ويدلون بآراء شخصية على اعتبار أنها حقيقية، والمشكلة أنهم يتحدثون في ذلك بثقة مطلقة تعطي إيحاء لبعض المتلقين من الجمهور بأنهم يملكون عمقا تحليليا صادقا. برأيي أننا إذا ما أردنا صناعة رأي عام مؤثر في قضايا الشأن العام فنحن بحاجة إلى سياسة إعلامية جيدة تحجب ظهور فئة المحسوبين على المتخصصين أو المثقفين بحق في المجال السياسي والاقتصادي والثقافي.