مرحلة الشباب هي أحلى مراحل العمر وأخطرها، فيها يصبح الفتى رجلا ومعها تتبدل مفاهيمه ونظرته للحياة. كان بالأمس يعيش في قالب صنعه أو رَغب والداه أن يسير في ركبه ومساره، وهو مزيج من القيم والأخلاق والعادات والثقافة التي نشأ وتربى عليها ذووه، وانتقلت إليه عن طريق التلقين والممارسة والتطبع.
أما اليوم، فهو ليس ذلك الصبي، لقد تغير تماماً وملامح الطفولة تلاشت من على وجنتيه وأصبح صوته جهورا وطغى عليه حب الذات والفخر بها، وازداد شغفه بالمغامرة والطموح لإنجاز أعمال تخلد أفعاله وبطولاته.
كثير من الآباء يعتقدون أن الحياة الزوجية هي الاستمرار في الإنجاب، وإن سألت أحدهم عن التربية فستجد الإجابة باختصار في فحوى هذه العبارة: (ترك الحبل على الغارب)، بل إن مفهوم التربية بالنسبة لهم توفير الملبس والمأكل والمسكن، عدا ذلك فهو من مسؤولية الزوجة. لكن عندما يُتمم الطفل عقده الأول هنا تبدأ المشكلة، فالأم ليس باستطاعتها مرافقه واختيار رفاق وأصحاب أبنائها خارج المنزل، وفي المقابل، الأب مشغول إما بأعماله التجارية أو بحياته الخاصة التي تخلو تماماً من تخصيص ساعات أو دقائق من أجل أبنائه خلال اليوم الواحد أو في أيام عطل نهاية الأسبوع. إن دور الأب أساس في حياة الأبناء فهو المحرك والموجه لسلوكهم، وبغياب تأثيره تزداد مساحة الفراغ العاطفي في وجدان الأبناء وتدريجياً سيفتقدون القدوة والمرشد.
لقد وفرت لنا تقنية المعلومات والاتصالات الكثير من الوقت والجهد، كما جلبت لنا الكثير من المتاعب والمشاكل، بحيث أصبح لدى جيل اليوم الكثير من الوقت غير المستغل إيجابياً، مما جعلهم هدفا للإرهابيين وفريسة سهلة المنال لأفاعي الإنترنت والمخدرات.
إن الفراغ هو "العدو الأول" للشباب، ووضع خطة لإدارة الوقت وتدريبهم عليها مُنذ الصغر جزء رئيس في التربية، يجب أن يولى اهتماما بالغا، فالالتزام والانضباط يولد الاستقامة. كما أن الانخراط في المعسكرات الكشفية والأنشطة (الرياضية، الأدبية، الثقافية، الفنية، التطوعية) في أيام الإجازات الأسبوعية والعطل الصيفية له بالغ الأثر في تنمية مواهب ومهارات الشباب التنافسية، مما يجعل يومهم وحياتهم مليئة بالأحداث والإنجازات وتزيد من رغبتهم في مواصلة العطاء للوصول إلى القمة.
إن التربية مهمة صعبة تحتاج باستمرار لتطوير أدواتها وأساليبها، لتتماشي مع العصر الذي يعيشه الأبناء، (لا) الذي تربى عليه الآباء والأجداد، والمزج المتقن لا يحكمه ولا يجيده إلا الآباء الأكثر قرباً من أبنائهم.