الشاب المنتمي إلى تنظيم «داعش»، الذي قتل ابن عمه في جريمة مؤلمة، هزت المجتمع السعودي، لم يكن قادراً على قول جُمَل دينية تقليدية، في مقطع الفيديو الذي انتشر. قام الداعشي بمبايعة البغدادي، دون أن يتقن صيغة المبايعة التقليدية، بكلماتها التراثية المعروفة، وخطابه كان يؤكد عدم قدرته على التعبير بالأدبيات الدينية، بما يعطي انطباعاً بعدم وجود خلفية دينية قوية لديه. يمكن أن يدفعنا هذا الأمر، إلى إضافة ملاحظة، على ملاحظات كثيرة، حول غياب التدين عند كثير من الشباب السعوديين، الذين يندفعون للانخراط في تنظيم «داعش»، ما يستدعي مراجعة للنقاش الدائر، حول دوافع الانضمام لهذا النوع من التنظيمات الإجرامية.
يعتقد كثيرون، أن الخطاب الديني السائد، والمناهج الدينية، هي الأساس في دفع الشباب للانضمام إلى «داعش»، خاصة وأن «داعش» تنظيم ذو صبغة دينية عقائدية، لكن كثيراً من الحالات، لا تؤكد هذا الاعتقاد، فعدد لا بأس به من المنضمين لداعش، لم يتأثروا بالخطاب الديني، ولم يكونوا جزءاً من أنشطة دينية، وهم حتى بعد انضمامهم، لم يتشربوا المفاهيم والأدبيات الدينية، كما يتضح من مقطع الداعشي، قاتل ابن عمه. إن هذا الأمر يدفعنا لتوسيع البحث حول دوافع انضمام الشباب لتنظيم مثل هذا، فالحديث النمطي عن الخطاب الديني، وأحاديث أخرى حول الفقر أو قلة التعليم، ليست دقيقة في تفسير كثير من حالات الانضمام إلى هذه التنظيمات، فهناك شباب متعلمون، ويتمتعون بمستوى معيشة مقبول، وليسوا من المتأثرين بالخطاب الديني، لكنهم يفضلون الانضمام إلى «داعش» وإخوتها.
يمكن تفسير كثير من حالات الانضمام باستنفار الهوية التي يعيشها كثير من هؤلاء، نتيجة الشحن والتعبئة بخصوص أحداث سوريا والعراق، واستنفار الهوية المذهبية يحصل للمتدينين وغيرهم، كما يمكن أن نلاحظ حولنا، فالانتماء إلى الهوية أوسع من مسألة الالتزام الديني، وقد نجد غلاة الطائفيين من غير المتدينين أصلاً، خاصة إذا علمنا أن تنظيم «داعش» تحديداً هو وليد الظروف التي أعقبت الاحتلال الأميركي للعراق، وتفجّر الحالة الطائفية هناك، ما يجعل «الحميّة المذهبية» تدفع عدداً كبيراً للذهاب للقتال في مناطق الصراع. إضافة إلى ذلك، يرنو بعض الشباب إلى نموذج دولة تمثل النقاء الأيديولوجي، كما أن آخرين يمثلون حالة العدمية، كما يصفها الباحث الفرنسي أوليفيه روا في مقالٍ له، حول الشباب الملتحقين بهذه التنظيمات.
تتعدد أسباب نشوء تنظيم «داعش»، لكن حضوره يتعزز بظروف سياسية واقتصادية مثل انهيار الدولة في المشرق العربي، والصراعات الأهلية، وعلو الحس الطائفي، في غياب هوية تجمع أبناء المجتمعات العربية، ووجود تدخلات خارجية عسكرية في الساحات العربية، وهذا يفرض مقاربة من نوع مختلف، لمسألة انضمام الشباب لمثل هذه التنظيمات، وكيفية الحد من ذلك، عبر إيجاد ظروف سياسية مختلفة، لا تسمح بوجود بيئة خصبة، لنمو هذه التنظيمات، ودفع الشباب لرفدها بأرواحهم.