وقائع الأرض تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الولايات المتحدة الأمريكية تتسبب في انتاج مزيد من المتطرفين الذين يعبثون بأمن واستقرار دول المنطقة وبقاء الإرهاب رغم سباحة الطائرات في السماء وقصف المدافع في الأرض، وذلك ما يتجه الى فرضية أن أمريكا لا ترغب في حسم التنظيمات الإرهابية إلا داخل حدودها فيما يمكنها أن تجعل المكافحة خارجها مطاطة ومرنة يتنفس فيها الإرهاب لخدمة أجندة غير معلومة.
في تقرير صادر أخيرا عن لجنة في الكونغرس الأمريكي، أكد أن الولايات المتحدة فشلت في وقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى الجماعات المقاتلة في كل من العراق وسوريا وفي مقدمتها تنظيم داعش الارهابي، وأن 250 ألف مقاتل أجنبي دخلوا إلى العراق وسوريا منذ العام 2011، وخلال الأشهر التسعة الماضية انضم نحو 7000 مقاتل لهذه المنظمات المقاتلة، والأدهى أن هناك 250 أمريكيا سافر أكثر من نصفهم خلال العام الماضي إلى تنظيم داعش من ضمنهم30 فتاة.
ومن خلال هذه الحيثيات فإننا أمام مفارقات غريبة تشير الى وضوح عدم جدّية الولايات المتحدة الأمريكية في القضاء على الإرهاب وأنها تستثمره لخدمة أهداف مبطنة لا علاقة لها بأمن وسلام العالم، إذ ليس من السهل أن يشير تقرير الى فشل أمريكي في المكافحة في ظل توفر الإمكانيات المخابراتية والأمنية والعسكرية والخبرات والكفاءات القتالية وتعاون كثير من العملاء والمخابرات، بما يجعلها تحصل على معلومات يسهل تحليلها للوصول الى أهداف إرهابية من أقصر الطرق وأكثرها فعالية وحسما، ولكن ذلك لا يحدث لأنها تعمل على ترتيبات خاصة بها تضعها في إطار نظرية المؤامرة على أمن المنطقة.
زيادة المقاتلين في التنظيم برغم الإعلان عن أدوار عسكرية مستمرة للتحالف الدولي الذي تقوده يعني بالضرورة وجود ثغرات متعمدة في المكافحة، فكل المنافذ البرية والبحرية والجوية التي يتوافد منها المقاتلون المتطرفون تحت النظر الأمني، وعبورهم الخطوط القتالية يعني أيضا حصولهم على ضوء أخضر للعبور بالتغافل أو التغاضي وهكذا يستمر التدفق والأزمة، وبالتالي لا علاج أو حسم دون دور نزيه لأمريكا في التحالف الدولي، لأننا يمكن أن نضيف أيضا تقريرا لمجلس الأمن الدولي، يذكر فيه أن نحو 30 ألف مقاتل أجنبي مجندون حاليا في صفوف تنظيم الدولة، وقد جاءوا من 100 دولة حول العالم، وأشار التقرير الذي نشر في مايو الماضي إلى أن عدد المنضمين إلى صفوف تنظيم داعش ارتفع بنحو 70% خلال الأشهر التسعة الماضية، وذلك يشير الى أن مكافحة الإرهاب مكتوبة على الماء وتحصيل حاصل لا يمكن القضاء عليه طالما أن الأطراف الرئيسية في ذلك تتلاعب باستراتيجيات المكافحة وتغيّب الآخرين لصالح أجندة خاصة بها ترى فيها أن من مصلحتها الإبقاء على هذه التنظيمات حية وفاعلة لأطول فترة ممكنة، فيما يمكن القضاء عليها بجهد منظم وصادق في أقل من أسبوع مع هذا الكم الكبير من النيران والقدرات المخابراتية العالية ميدانيا، وبذلك لن نتوقع قضاء عاجلا على الإرهاب لأنه لا يزال يخدم اللاعبين الكبار الذين يرغبون في مزيد من الفوضى بالمنطقة.