ظاهرة غريبة انتشرت بالآونة الأخيرة في المجتمعات العربية وخاصة بين الأقارب والارحام، سابقاً كنت أرى هذه الظاهرة لازمة وضرورية في بعض الاحيان والتي كان لابد منها لاتقاء كثرة الحديث، أو الخوف مما قد يحدث جرّاء التحدث بها من باب الحديث الذي صححه الشيخ الالباني «رحمه الله» في السلسلة وصحيح الجامع، بلفظ: «استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود» وبالرغم من قوة هذا الحديث الشريف إلا أنه كغيره من الأحاديث فُهم بطريقة خاطئة وحُرّف بأسلوب يتناسب مع من يريده أن يخدم مصلحته الخاصة قبل العامة.
هذه الظاهرة أدت إلى فقد الكثير وانتقالهم للحياة الأخرى دون أن يحظوا بدعوة من الأهل والأقرباء والأرحام والتواجد معهم،بل وفقدوا الصحبة التي قد تُنسي بعضهم ألم المرض والتقلب فيه والألم المعنوي والنفسي الذي يصحبه، وآثروا ان يحتفظوا بهذه المعاناة وقصرها على الزوجة والأبناء وبالطبع (أهل الزوجة) أما عن أهله وقرابته فلا يعلمون بالأمر إلا حين الذهاب إلى المسجد للصلاة عليه ووداعه الوداع الأخير والذي قد يصيب البعض بالإحباط والبعض الآخر بالضيق لأن هذا الأمر ليس بمكان أن لا يُعلم به، وحين يكون التساؤل من القرابة لماذا؟؟؟ يأتي الرد (هو قال لا تعلمون أحد)،وهل القرابة من هؤلاء الأحد؟؟
هل كان يخاف أن يشمتوا ويتندروا بأن ما أصابه جراء ما فعله في حياته؟
أم كان يبحث عمن أحب فقط من قرابته ورحمه؟ وحرم البقية من تأدية الواجب الذي من المفروض أن يقوموا به وهي صلته والسؤال عنه.
أم كان يخاف مواجهة البعض بمرضه؟
أم ماذا؟
هذه العبارة والتي أصبحت تتردد كثيرا بعد كل صلاة جنازة تُقام ويتفاجأ الأهل والقرابة بكلمة (الحمد لله الذي رحمه من تبعات المرض) وحين يعلمون من الغرباء ماذا ألمّ به تكون القطيعة بين الأهل بسبب كلمة (لا تعَلمون أحد)، ناهيك إذا كانت هذه القرابات أرحاما.
في حادثة مؤلمة تم إبلاغ الأهل جميعا بخبر وفاة أحد أبنائها فكان البكاء والترحم والدعاء والحضور سريعاً للصلاة على الجنازة والوقوف لأخذ العزاء من المتواجدين لما كان في هذا الرجل من قبول وتقبل لدى الجميع لجميل تعامله، وبدون سابق إنذار تقدم أحد أقرباء الزوجة والذي لم يع أن أقرباءه لا يعلمون بحاله ليقول لهم إن موته وانتقاله للرحمن أرحم له من سوء حالته التي تدهورت الأيام الأخيرة جراء هذا المرض و..، وقف الكل مشدوهاً أمام هذا الكلام لأن المتوقع أنها أمر طبيعي لتقدمه في السن وليس بعد صراع مرض فما كان من أكثر القرابة إلا الانسحاب من موقع الصلاة بعد أدائها، وعدم حضور العزاء وقولهم ( لا نحضر عزاء غريب عنا وقد أدينا له الحق الذي لكل مسلم) وكانت القطيعة.
وحادثة أخرى أغرب سُردت لي من قريب، يقول إنه كان جالساً في مجلس عام للأصدقاء حين أقبل عليه احدهم يقول له (كيف فلان بعد الحادث، هل أتم الجراحة أو مازال) وفلان هذا رحم قريب جداً له وصلته فيه قوية، فرد بالقول لا أعلم عن الأمر شيئاً فما كان من الرجل إلا أن قال له الأمر كله وذهب يبحث عن قريبه وحين وجده قال له: لماذا لم تخبرنا يا أبا فلان حتى نقوم بالواجب، فكان الرد: لا اريد أن يعلم احد؟ ولا تعلم أحدا من أهلك؟
ياللغرابة؟
ألهذه الدرجة كان قربهم مع الله سبحانه وتعالى؟ ألهذه الدرجة كان دعاؤهم كافياً ليستغنوا به عن دعاء الارحام والقرابة؟
ألهذه الدرجة كانت أنانيتهم بحرمان الكل من الأجر في هذه الأيام المباركة؟ ألهذه الدرجة أصبحت الزوجة وأهلها أقرب من الأهل أنفسهم؟ أم ماذا؟ وما الأمر؟ هل من عاقل يحاورني ويقول لي لماذا نقول (لا تعلمون أحد)؟ وهل من متدين يقول لي هو جائز هذا التصرف وهل علي إثم حين لا أصل رحمي بناء على طلبه؟.