من هنا..
تم اختيارها من العديد من المدارس لمعرفتهم أنها لا يستهان بها في متابعة الدوام.. تمنعت ورفضت ولكن تم إقناعها بترك مدرستها والتي كانت تعني لها الشيء الكثير لتأتي إلى المكان الجديد، أُحضرت لمكتب الإدارة وبعد الترحيب بها تم البدء بإعطائها معلومات وافرة لتتعرف على جميع الموظفات ومن المفروض أن تركز عليها وتتابعها وللأسف بدون أي إثبات بل لمجرد السماع (لأن هؤلاء الموظفات لا يقدمن فروض الولاء والطاعة كل صباح بل اكتفين بالعمل التوصيفي لهن) والذي لم يكن فيه (المرور على الإدارة لإلقاء التحية والجلوس واحتساء القهوة قبل الخروج للعمل)، وما هي إلا اشهر معينة ليتم الاكتشاف أن جميع المعلومات مكذوبة وأن الحاصل عكس ذلك وأن الأصل أنهن لا يتملقن بل متفانيات وغير محبوبات لصراحتهن.. (فقط). من هناك.. تقدمت بتقاريرها لمديرتها لعلها بذلك تكسب الوقت لحين العرض على اللجنة الطبية لتخفيف النصاب المدرسي عنها، قلبت الأوراق بين يديها ونظرت لها نظرة جميلة وبصوت عذب قالت لها (اعذريني فاللوائح تقيدني) تقبلت وأطاعت ولي الأمر، ليصدر قرار بعد ذلك بتخفيف النصاب عن معلمة بنفس تخصصها (مقربة للإدارة) وحين سألت قيل إنه بسبب عجز في أمور إدارية فكلفت بالمهام وخُفف النصاب، فما كان لها إلا الصمت.
من هنا.. تقلدت منصباً ذا سلطة تناست خلاله مدى العناء الذي كابدته لتشق طريقها وتناست مدى التسلط الذي كان عليها والذي قلل من حجمها وقتل طموحها حتى صرخت بعلو صوتها (لو كنت بهذا المكان لأنصفت الكل) وحصل لها ما أرادت بعد سنين من التعب والشقاء، وبدأت رحلة الإنصاف- اعتذر- بل رحلة الإنكار والذي تناست معه كل ما حصل لها فأصبحت اللوائح تطبق على كل من لا تعرفه وتُجمد لكل من تعرفه.
ومن هناك.. تسلمت مهامها وبدأت بالعطاء للعلم الذي تخصصت به.. (قم للمعلم وفه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا) لم تصدق هذه العبارة على الكثير من المعلمين والذين كان جُل همهم العلاقات وحسن المظهر المبالغ فيه والبحث عن الأفضلية وإضاعة الوقت خلال العطاء وتحسين الأداء أمام المسؤول وإضاعته أمام الطالبات ناهيك عن جميل الألفاظ التي تلقى على الطالبات جزافاً أثناء العطاء بدون وجه حق (هل هذه حقا مهام الرسل) أم أنها العكس.
هناك الكثير من (هنا وهناك) وما ذكرته غيض من فيض للكثير من الأمور التي تحدث والتي تؤكد بحق أنه ليس كل مدير مديرا وليس كل معلم معلما، وأن هذا السلك التعليمي الكبير قد وُضع فيه من هو ليس أهلاً له، ليتراجع به عن المصاف القيادية الصحيحة للمصاف القيادية المتسلطة والبعيدة كل البعد عن التطوير، أصبح المهم هنا أن الرعية مسؤولية الراعي.
هل المفروض هنا أن يأتي الراعي ليلقي التحية الصباحية على الكل ويتفقد الجميع.. أم أن الرعية هي من تأتي لتفعل هذا الأمر والذي إن لم يكن (فالويل للمتخلف).
ما المفروض هنا.. أن تطبق القوانين واللوائح على الكل أم أن تطبق للبعض وتُرفع عن الآخر.
ام المفروض هنا.. أن يرحب بالموظف الجديد ويعطى التعليمات الأساسية وتوصيف عمله أم أن يكون استقباله للتحذير من فلان وعلان وأن يُطلب منه موجزا تفصيليا لمن حضر وماذا فعل؟.
للأسف إن هذه النخبة الطيبة من الرعاة بدأت بالتكاثر في السلك التعليمي واستشرى الكثير من الظلم للكثير.. ومن المتضرر في ذلك كله.. (الذي يستقي العلم منهم).
بعد ذلك كله هل انتم معي من أنه ليس كل مدير (راعيا لرعيته).. دمتم بخير.