«أنا عندي مشكلتين.. الأولى: أني ما اعتذر إلا إذا اقتنعت أني غلطان والثانية: ولا مرة اقتنعت أني غلطان».
صاحب هذه الطرفة اعترف بواقعه مشكوراً، وإلا فواقع الكثير منا مشابه لواقع صاحب الطرفة حتى ولو لم نعترف، بل إن البعض يرى الاعتذار ضعفاً فيكابر حتى يأتيه ما يجبره على التوبة والاعتذار! وأستطيع أن أقول: إننا مع الاعتذار أحد ثلاثة: أناس تعتذر من كل شيء، وأناس لا تعتذر من شيء، وأناس تعتذر بعد أن يذهب كل شيء!
فمن يعتذر من كل شيء ضعيف الثقة بنفسه، ولذلك فهو سريع التراجع والاعتذار عند أول نقد يتعرض له حتى ولو كان صاحب النقد لم ينفع نفسه، ولذلك فهذا المعتذر يعيش طوال حياته في نفس المكان لا يمكن أن يتطور ولا يتقدم لأنه يريد أن يعمل عملاً لا ينقده عليه أحد!
ومن لا يعتذر من شيء هو أكثر من تطبق عليه هذه الطرفة، وهو متواجد بقوة في مجتمعنا بل ومتصدر، فهو يجمع بين الجهل والكبر واللسان السليط، ولذلك يتفنن في إيذاء من حوله، ومع ذلك لا يمكن أن يعتذر حتى ولو رأى الألم في وجوههم، ولا يتهيب من معارضة من أمامه حتى ولو كان محدثه يقول: الشمس تشرق من الشرق، فلابد أن يعقّب عليه: أنت ما تعرف! فحسب قراءاتي واطلاعي وتأملاتي وتجاربي الطويلة قد لا تكون الشمس تشرق من المشرق دائماً! والمشكلة أن الناس تستحي أن تبين لهذا الشخص حمقه وجهله!
بقي النموذج الثالث الذي يعتذر بعد خراب مالطا وذهاب كل شيء، فهذا الرجل يورط نفسه ومجتمعه في مشاريع فاشلة، وعندما يقترب الموت وتتضح الحقائق، يعلن توبته ويقول: اللهم إيماناً كإيمان العجائز!
مثل هذا لا يقدم اعتذاره الكثير فقد ذهب العمر في الفشل، وقد يكون أضاع عمر غيره معه، والسعيد حقاً من وعظ بغيره!
قضية الاعتذار قضية مهمة، ويجب أن تكون جزءاً من شخصية الوالد والمعلم والمتصدر للتأثير في المجتمع، فآثار تغييب الاعتذار –أو تنقص أهله- خطيرة ومدمرة، ولذلك رجاءً اعتذروا واعتزلوا من لا يعتذر!