تتنوع الأسواق في المملكة كبقية دول العالم فنجد فيها الأسواق الحديثة، وكذلك الشعبية وأيضا المتخصصة ما يجعل الحركة الاقتصادية دؤوبة في تنمية الدخل القومي.
ويصاحب هذا التوسع تشريعات وأنظمة تقنن أسلوب العمل فكل قطاع تضمن له الاستمرارية بدون هزات تعرقل مسيرته وتحد من سوء التصرف الذي قد يؤثر على إجراءات البيع والشراء التي تسيئ إلى الحقل المعني بالتنظيم وهذا فيه شيء من الشفافية يجبره على التقيد بالتعليمات المفسرة للقانون.
لكن عندما ننظر إلى أسواق العطارة نفاجأ بالفوضى التي تعم أرجاء هذا السوق فالأكياس مكشوفة على الرصيف والبراميل مرصوصة بدون أغطية ومعرضة للغبار وعوامل الطقس ودخان عوادم السيارات ومحشورة بين أكياس الفحم وعلب التعميرة بحيث يصعب عليك الدخول إلى المحل والمطلوب منك فقط أن تسأل ليصف لك البائع الدواء الذي يشفي من كل علة بعد أن يستعرض معك بمغرفة ما تحتويه تلك الأكوام المخزنة في مربعات خشبية التي تشكل بألوانها قوس قزح.
هذه مرة وتلك كركم وثالثة هليلج ورابعة صبر وخامسة مستكة وهذه حبة سوداء والأخرى زنجبيل وهنا صمغة ريح وهناك شبة وبجانبها بابونج.
خليط عجيب تعج منه روائح لا تستطيع تمييزها إلا بقولك : إنه محل عطارة، وأنا أقول محل عطانة لان المشهد يوحي لك بعشعشة كل القوارض والزواحف المرئي منها والخفي.
فتخيلوا معي وصفة بلا مقاييس ومعروضة بلا معايير أو مدة صلاحية في محلات بلا شروط صحية ومقادير بلا حدود وقائية ألا يشكل ذلك أمراضا وبائية.
عجبي من استمرارها في كل مدننا مع الأسف بلا استثناء وبنفس الصيغة والصورة.
نعم نحن نؤمن بأن هذه الأعشاب هي أصل كل الأدوية، لكن خلطها وتركيباتها وكمياتها وحفظها وأسلوب تناولها هي سر فاعليتها فلماذا لا يكون ذلك على مستوى التطبيق ولا أعني بذلك المعالجات المصنعة والإضافات الكيميائية.
لكنني أقصد طب الأعشاب المتخصص في مكوناتها التي تحدد فوائدها ومضارها بمعرفة تفاعلاتها ونتائج العلاج بها وكمياتها ونسب الخلط ومقاديرها وصلاحياتها وأسلوب تناولها صلبة أو سائلة متحدة أو منفردة.
فلماذا لا تتدخل هيئة المواصفات والمقاييس بوضع مواصفات لكل نوع وتصنف مثل الأدوية وتلتزم وزارة التجارة بتطبيقها ضمن الشروط المتوجبة مع التصريح بمزاولة المهنة لأنها تخص حياة البشر وليساعدها في التنفيذ مختبر الجودة.
وكذلك حماية المستهلك ووزارة الصحة والبلديات فكما حدد للصيدليات أن يكون المسئول خريج صيدلة فحري بنا أن يكون المسئول في محلات العطارة خريج طب الأعشاب أو أخصائي مختبر، وأن تكون المحلات ملزمة بالتغليف الصحي الذي يحدد الكمية وأسلوب العلاج ومدة الصلاحية بموجب المواصفات المعدة سلفا من جهات الاختصاص.
ولا ننسى دور المراقبة والمتابعة كما هو الحال في الصيدليات لنضمن بذلك صحة المجتمع ونرتقي بأسلوب حضاري بمورثنا الشعبي الذي يؤكد هويتنا واستقلالية فكرنا الصحي ومسايرتنا للمفاهيم السائدة في المجتمع بدون إيجاد هزات الرفض لكل جديد.
وهذا يتماشى مع الرغبات التقليدية التي لا تتعارض مع التحديث المبني على أسس ومرتكزات علمية نستطيع بها حماية مجتمعنا من مخلفات الماضي الضارة ونجعلها مكتسبات مفيدة وفيها إضافة عندما نطلق عليها الطب الإسلامي أو النبوي وهذا في حد ذاته إنجاز يجب الحرص عليه وتأكيده.