يذكر صاحب العبقريات عباس محمود العقاد في كتابه (أنا) رأيا للكاتب الأمريكي «أوليفر وندل هولمز» يقول فيه إن الإنسان كل إنسان بلا استثناء إنما هو ثلاثة أشخاص في صورة واحدة.
الإنسان كما خلقه الله.. والإنسان كما يراه الناس.. والإنسان كما يرى هو نفسه..
وفي البيت المنسوب للإمام علي (رضي الله عنه):
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
قد تبدو هذه الصورة معقدة لتعريف الأنا والوصول إلى فك شفراتها (بالجمع) مما قد يحسبه البعض (فلسفة) وترفا فكريا قائما على التنظير المجرد البعيد عن التجربة والواقع المعاش، وإلا كيف يجهل الإنسان العاقل ذاته وتعريف «أناه» مستشهدا بقول بعيد عن كل هذا التنظير وبسلاسة لسان العرب بما قل ودل «المرء مخبوء تحت طي لسانه» وهو قول أيضا منسوب للإمام علي، والقول صريح ودال على أن «الأنا» أي ذات المرء مخبوءة تحت لسانه ومفتاح شفرتها (مفرد) اللسان. ولكن ماذا نقول لو كان هذا الشخص ينطبق عليه قول من يعطيك من طرف اللسان حلاوة.... وفعله نقيض لحلاوة لسانه.
ومع هذا وفي نفس الوقت وفي رأي آخر يقول قد تنطبق هذه المقولة على الشخص الثاني كما عرفه وندل هولمز «الإنسان كما يراه الناس» ولكن صاحب العبقريات أي العقاد وكوننا استشهدنا بما نقله عن الكاتب الأمريكي وندل هولمز يرى بذلك أي صورة الأنا في عيون الآخرين حينما يطبقها على نفسه بعيدة كل البعد عن «أناه» بل نجده يقسم بما يقسم به كل شريف بأن عباس العقاد هذا لم يلتقه ولا يعرفه ولم يعش معه في حياته أبدا ونقيض ذلك هو الأقرب إلى الصواب..! على حد قوله طبعا وهذا الكلام صحيح مليون...! مليار...! بالمائة...! لأن الناس متى اتفقوا على شيء حتى يتفوق بالحكم على شخص مائة بالمائة فهولمز هنا يقدم مقاربة نسبية جدا عن «الأنا» محاولة لملامسة الصواب شأنه شأن جميع من كتبوا عن الأنا البشرية، ورسموا مقاربة تتلمس بعض مفاتيح الأنا وهي محاولة للوصول لصورة والمثال في معرفة الذات، وإلا الحقيقة قد تبدو بعيدة كل البعد عن ذلك، وفي ظني حينما يذكر وندل هولمز ثلاثة أشخاص في نفس واحدة هو يؤكد هذه الحقيقة في الوصول لمعرفة «الأنا» الحقيقة المعقدة التي يشوبها الكثير من المجاز والدوران حول الذات وملامستها بدرجة نسبية قد تجد من يناقضها نقضا تاما، وإلا كيف يكون الشخص الواحد ثلاثة أشخاص أو أكثر في «أنا واحدة» فـ «أنا» ضمير مفرد وثلاثة أشخاص جمع وضميره (نحن) هذا إذا تحدثنا عنها لغويا كون اللغة مفتاحا للمعنى ومعبرا عن دلالته، فأنت حينما تقول «أنا» قطعا لا تعني ضمير الجمع «نحن» إلا إذا كانت بغرض التفخيم والتقدير الزائد إضافة الى أن الشخص المتلون بأقنعة عديدة سواء كانت ثلاثة أو أكثر على حد قول صاحبنا وندل هولمز (إذا استثنينا الإنسان كما خلقه الله، كون ذلك علمه عند الله سبحانه) قد يحكم عليه بأنه ذو وجهين أي في العرف العام منافق وهو الشيء الذي لا تستسيغه النفس السوية.
أظن أن القارئ العزيز قد يجد في ذلك حيرة وعودة إلى الفلسفة العقيمة.! ودورانا في حلقة مفرغة وإن صاحبنا وندل هولمز لم يقصد من رأيه هذا كل هذا التحليل من كاتب هذا المقال الذي جعل من ذواتنا لغزا وطلاسم وشفرات، وإننا نعرف أيها الكاتب المتفلسف أن القول في هذا الموضوع نسبي، فابحث في موضوع آخر تكون فيه المفيد والمستفيد، فنحن أعلم بذواتنا.
نعم أيها القارئ العزيز «فنحن أعلم بذواتنا» هي الأقرب إلى الصواب أي الإنسان كما يرى نفسه، وبعبارة سلسة وسهلة وقريبة من الجميع قد تبسط كل هذه الفلسفة التي قد يمجها القارئ نقول «كل إناء بما فيه ينضح».
وهنا أرجو أن لا يفهم القارئ من المثال السابق المعنى السلبي له، لأنني هنا أصدقه قولا بأني بحثت وأنا أكتب هذا المقال عن مثال يكون أكثر قبولا لدى القارئ ولم يسعفني بحثي المتواضع، رغم أني لا أرى في هذا المثال شتيمة أو نقيصة قد يلمسها القارئ لا سمح الله، وتعليقي المتواضع في خاتمة هذا الحديث أن الإنسان كيفما يضع نفسه ويقولبها في قالب يرى ذاته فيه تكن صورته وتعريفه أي في قول آخر الإنسان مبدأ متى التزم بمبادئه وتقيد بها تكن صورته، مع قولنا هنا بالمجازية، الأقرب للصواب.