رفع سقف الطموحات حتى يصل إلى درجات خيالية لن نجني من ورائه إلا هدر الجهد والوقت والمال على مشاريع بعيدة عن الواقع، كما أننا لن نحصل منه إلا ردات فعل عكسية مدمرة على المستوى الجماعي والفردي.
حديث بعض التربويين المتكرر عن وجوب أن يحب الطالب مدرسته، ورفع شعار (أنا أحب مدرستي) ليحفظه الطالب، محاولات جميلة ومشكورة وتدل على نفوس مخلصة، ولكنها بالمقابل تدل على بعد عن الواقع وانغماس في التنظير، وقد تصل إلى الخطر حين يتم تحميل المدرسة أو الطالب أو كليهما مسؤولية غياب هذا الحب. دعنا ننظر بواقعية: من الذي يتخيل أننا من الممكن أن نجعل المدرسة أحب إلى الطالب من بيته الذي ولد فيه وترعرع؟
ومن الذي يتخيل أن المدرسة ستكون أحب إلى الطالب من الشارع ومدينة الألعاب التي يمارس فيها ألعابه بلا قيود؟
قد ينجح هذا مع طالب يعاني من وحدة أو يسكن شقة ضيقة أو بيتاً مخيفاً، ولفترة معينة من الزمن ولكنه لن ينجح مع الكثير وطوال 12 سنة!
ولذلك إذا كنت ممن يتخيل ذلك، فما عليك إلا أن تخرج إلى الواقع وتستمع إلى قصائد طلابنا التي تدعو بالصواعق المرسلة والهدم للمدارس على رؤوس من فيها، وانظر إلى حالهم عندما يصدر قرار بتعليق الدراسة، وانظر لحال الابن حين يقول له والده ستتغيب عن المدرسة غداً، كيف يرى ذلك جميلاً ومكافأة!
ولذلك أرى أن ضعف حب الطالب للمدرسة هو الأمر الطبيعي، وبالتالي فالأم ليست ملزمة أن تبحث عن استشاريين نفسيين لتسألهم (ابني يكره المدرسة، ما الحل؟) أو يعيش الطالب - حتى المتميز - في قلق وإحباط حين يرى من نفسه عدم رغبة في الذهاب إلى المدرسة!
فمن الذي سيحب أن يلزم بالجلوس بين أربعة جدران من الساعة السابعة صباحاً وحتى الواحدة ظهراً حتى ولو كانت الكراسي والطاولات حريراً وليست خشباً أو بلاستيك؟!
ومن الذي يرغب أن يترك انطلاقة الإجازة وسهراتها وسفرياتها ليلزم بالنوم مبكراً والاستيقاظ فجر كل يوم؟
ومن الذي سيرغب أن يكلف بأعمال يحاسب إن لم يقدمها خلال فترة محددة؟
ولذلك بدل أن نطلب المستحيل ونرهق أنفسنا وغيرنا، لنستعمل شعارات واقعية يمكن الإقناع بها وقياسها، ككيف نجعل المدرسة جاذبة؟ ونبحث عن طرق لترغيب الأطفال في المدرسة، ونزرع في قلب الطالب أنه من هنا يبني مستقبله، وأن عليه أن يصبر ويتحمل إن أراد النجاح والتفوق، فمن لم يصبر على مر التعلم ساعة سيتجرع مرارة الجهل طول حياته، هذا هو الطريق الأنجع والأنفع.