أكثر الأسباب المؤدية للوفاة تختلف من دولة إلى أخرى، ومع إيماننا أن الموت نهاية حتمية لنا جميعاً، فإن تلك الأسباب المتوفرة إحصائياً في تقرير مطول لمنظمة الصحة العالمية (HWO) يطرح تساؤلات عديدة حول علاقة مستوى الرعاية الصحية لدينا بارتفاع بعض المسببات وغياب بعض الإحصاءات محلياً.
وقبل الحديث عن بعض المؤشرات الخاصة بالمملكة، فإن أحد الأمور الصادمة التي يقف عليها التقرير هو أن قائمة الأمراض المهددة لحياة الإنسان تختلف من حيث الترتيب عن تصورات معظم الناس أو ما يُطرح غالباً في البرامج الإعلامية وحتى الصحية المتخصصة لأسباب لا أعلمها.
أمراض الإسهال وعدوى الجهاز التنفسي السفلي على سبيل المثال تحصد سنوياً من ضعفين إلى ثلاثة أضعاف وفيات أمراض السرطان التي لا تزيد عن (2.4%)، فيما تشكل حوادث المرور نسبة مقاربة عند (2.1%)، وفقاً للمعدل العالمي العام، وهو ما يشير إلى وجود خلل في الوعي العام بخطورة بعض الأمراض والتصرفات يقابله فزع مبالغ فيه في التعامل مع حالات أخرى.
إذا ما حاولنا مقارنة بعض الأرقام الواردة في التقرير حول حالة كل دولة على حدة فإن ارتفاع بعض أرقام الوفيات في أعمار معينة أو مسبباتها يحتاج إلى دراسة لفهم الأسباب التي أدت لتفشيها محلياً، تمهيداً لوضع حلول عاجلة لاحتواء تفشيها على أقل تقدير، والاطلاع على تجارب الدول الأخرى الناجحة في احتواء تلك الأسباب أو تقليل انتشارها، وتوعية الناس بها.
التقرير المتاح على موقع منظمة الصحة العالمية حمل بعض المؤشرات تتعلق بالمملكة تحتاج إلى إجابات من وزارة الصحة وغيرها من الجهات المسؤولة، منها على سبيل المثال ارتفاع احتمالات وفاة الأطفال دون الخامسة في المملكة، والذي يفوق دول مجلس التعاون الخليجي ويبلغ حوالي ضعفين ونصف الحالات في قطر والإمارات، وأكثر من 3 أضعاف معدلات أمريكا وكندا وبريطانيا.
من الأرقام المقلقة هو أن ارتفاع ضغط الدم المسبب الثالث للوفاة في السعودية بنسبة 3.5%، في حين أنه غير موجود ضمن قائمة أهم مسببات الوفاة في العالم، وبالرغم من انتشار مرض ارتفاع ضغط الدم عالمياً إلا أن توفر العلاجات والتوعية بالمرض، ووجود العناية اللازمة في المستشفيات حدت كثيراً من خطورة المرض، الأمر ينطبق ولو بدرجة أقل على مرض السكري الذي يسبب الوفاة في المملكة بنسبة تفوق المعدلات العالمية بنحو 40%.
ومع أهمية ما سبق إلا أن الشيء المثير للقلق ربما بصورة تفوق كل تلك الإحصائيات هو عدم توفر معلومات عن الكثير من الأمراض والأسباب المؤدية للوفيات من قبل وزارة الصحة السعودية، وهو ما اضطر المنظمة إلى الإشارة في كثير من الخانات أمام المملكة بعدم توفر إحصائيات، وعدم توفر بيانات عادةً ما يشير إلى غياب كلي للدراسات التي تقوم على البيانات المتوفرة، وهو ما يشير إلى تدنٍ في الاهتمام بفهم كثير من الظواهر الخطيرة على صحة الإنسان.
ومن بين العناوين التي لم تتوفر لها بيانات على سبيل المثال كل ما يتعلق بحالات مرض الأيدز وتغطية خدمات الرعاية فترة الحمل والاحتياجات غير الملباة من خدمات تنظيم الأسرة وتعرض الأطفال للنوم في ناموسيات معرضة للمبيدات البشرية، السكان الذين يستخدمون مياة معقمة إلخ.
ومن أسوأ البيانات الصحية غير المتوفرة هي حالات الغبن أو الغش في المجال الصحي، والتي عرّفتها المنظمة بأنها فروق بين الريف والحضر في التغطية بالخدمات الصحية الرئيسية والتطعيمات، ومع قراءتي الشخصية بناءً على أرقام أخرى شملها التقرير أن معدلات المملكة في هذا الجانب ليست سيئة، إلا أن عدم توفر البيانات يعطي مؤشراً غير إيجابي حول تخطيط الوزارة.