لا علاقة لعنوان هذا المقال بالأخبار الاقتصادية أو الثقافية أو الفنية، فهي تبدو ثانوية مقارنة بأخبار النزاعات السياسية. وعندما أفكر في مدمن تلك الأخبار الذي قد يتابع أكثر من عشر نشرات يوميا، يخيل إلي أنه ينتظر خبرا دراماتيكيا مثيرا. وغالبا ما يذكرني هذا المُشاهد بإحدى شخصيات قصة قصيرة لمهووس بمتابعة الأخبار. كان المذياع لا يفارق أذنيه في انتظار أن يسمع الخبر الذي يثلج الصدر. وقد طالت أذناه بفعل استخدامهما استخداما مفرطا في انتظار ذلك الخبر الذي يأتي ولا يأتي.
قبل أيام، وأثناء متابعة نشرة الأخبار على إحدى القنوات الفضائية العربية، وبعد أن استعرضت المذيعةُ عناوين الصحف العربية ومقتطفات منها، التفتت إلى ضيف البرنامج الذي يفترض أن يقدم قراءة لما بين السطور، وقالت: يبدو أن الأخبار سيئة، لا تسرّ صديقاً ولا عدواً. وقد علق الضيف على عبارة المذيعة قائلا: بل هي تسر العدو بكل تأكيد. وكانت ملاحظته في محلها. فكل تلك الصراعات، وذلك التدمير المتعمد للممتلكات والبنى التحتية، والقدرات الاقتصادية، والمنجزات الحضارية، يصب في مصلحة العدو. إنهم يكملون إنجاز ما لم يستطع العدو إنجازه.
وفي مقابل مدمني مشاهدة نشرات الأخبار، أو على النقيض منهم، هنالك من لا يشاهد نشرة أخبار واحدة في اليوم، وقد يكون البيت مزدحما بالتلفزيونات. حالتان متناقضتان من الإفراط والتفريط.
ومع أن الأخبار، والسيئة منها على وجه الخصوص، تصل إلينا بسرعة الضوء، إلا أن كل شيء أصبح، في أيامنا هذه، برسم البيع. لذلك تعرض بعض القنوات الفضائية خدمة الخبر العاجل على الهاتف المنقول مقابل اشتراك شهري. مع أن المثل الشعبي يقول: "يا خبر بفلوس بكرة يصير ببلاش". وقد سبق طرفة بن العبد هذا المثل بقوله: "ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا،،، ويأتيك بالأخبار من لم تزود". غير أن بعضهم لا يطيق الانتظار حتى يصبح الخبر بالمجان.
لكن ما حاجة مواطن "غلبان" من العالم الثالث إلى خبر "طازج" يضاعف بؤسه. وكل الأخبار، كما تقول المذيعة، لا تسر أحدا. الغارق في الشقاء والغاطس في الهناء كلاهما مشغول بنفسه، وغائب عن العالم. مع ذلك، هنالك من هو غائب عن العالم بمحض إرادته، يرى في متابعة الأخبار تبديدا للوقت. وقد يكون لذلك العزوف عن مشاهدة نشرات الأخبار أسبابه. يقول أحدهم مبررا ذلك الغياب المتعمد: أشعر أنني لا أستطيع الاطمئنان إلى مصدر موثوق به للحصول على المعلومة الصحيحة. ومن جهة أخرى لا أجد نفسي قادرا على المشاركة والتأثير في ما يجري، وأنني مجرد مستهلك لما يُبثُّ من أخبار، وأن الأحداث تتوالى بالشكل المرسوم لها. ويتعجب صاحب هذا المنطق من أمر أولئك الذين يملؤون المجالس الخاصة جدالا عقيما، وكأنهم صناع قرار.
وبعد: لكل واحد من مدمني الأخبار مصادره التي يثق بها، تختلف تلك المصادر باختلاف ثقافة المشاهد. مع ذلك فقد كان الأخنس بن كعب أكثر واقعية من بعض الفضائيات حين قال: "وعند جهينة الخبر اليقين". فكل فضائية تدعي الواقعية والمصداقية والموضوعية والنزاهة والدقة، وأنها "جهينة" الأخبار بلا منازع. وكل واحدة تتحدث عن التزامها بميثاق الشرف الإعلامي. ولم نجد حتى اليوم فضائية واحدة واقعية بما يكفي لتختار لها شعارا أكثر مصداقية كالعبارة القائلة: "وما آفة الأخبار إلا رواتها"!.