.. نبدأ بما صرح به سفير أمريكا لدى الأمم المتحدة السابق جون بولتون، يقول: «أقترح أنه يجب مهاجمة مرافق المفاعل النووي الإيراني.. ونشيل الصداع مرة وحدة، ونرتاح». كما كتبها «And be done with it!».
طبعا لم يحصل ما تمناه السيد جون وكثيرون غيره في دهاليز الخارجية والدفاع الأمريكيتين. والمملكة لا تقبل أن تُغير طائراتٌ أمريكية وتضرب إيران.
ولكن، كنت أتساءل كما يتساءل غيري: لمَ اتجهت أمريكا، وبالذات في الفصل الثاني من رئاسة السيد أوباما إلى الميل الواضح لإيران، تاركة حلفاءها التقليديين بالمنطقة لعقودٍ طويلة؟ في الأمس المشرق السعيد مع أمريكا كان كبراؤها يقولون إن التحالف مع السعودية ودول الخليج آمنُ السبل لأمريكا لاستقرارها السياسي و- طبعاً- لكونها حاضنة لأكبر محاضن النفط والغاز. السؤال كان يدور برأسي وقرأت أطروحات كثيرة حول الموضوع..
ووجدت دليلا أن الموضوع ليس أبدا موضوع سنة وشيعة، بل الموضوع يخص الأرومة الفارسية بالتحديد والقطع. وهذا الدليل كشفه كاتبٌ رئيس وهو «جو كلين» بمجلة التايم الأمريكية وبصراحة معبّرة -برأيي- عمّا يدور بقاعات صنع الواقعية السياسية والمصلحية لأمريكا. ما ورد من هذا الكاتب القريب لأروقة القرار الأمريكي يجب أن نطالعه جيدا، وبعد أن نطالعه، نفكر به جدّيا.. من أجل أنفسنا.
دعوني أنقل مترجما ما كتبه السيد «جو كلين» بصفحته بمجلة التايم:
«بولتون يعتقد أن ضرب أمريكا للنووي الإيراني سيكون كرد فعل سوريا والعراق عندما ضربت اسرائيل مفاعليهما النوويين. إيران دولة تختلف تماما عن الدول العربية، وبالذات العراق وسوريا. إيران مكانٌ حقيقي- اي والله كتبها هكذا Iran is a real place- وهي تملك حدودًا طبيعية -يقصد تضاريسية جغرافية- إلا من جهة واحدة- لم يفصح «كلين» عن هذه الجهة والمطلع جغرافيا يعرف أنه يقصد الجبهة المفتوحة على العراق وتركيا- وإيران تملك حضارة متميزة وعريقة عمرها 4000 سنة. والحضارة المتميزة العريقة هي فارسية وليست عربية. والشعب الإيراني راقٍ ومتعلم ومثقف، وتملك إيران إرادةً وطنية قوية يكفل لها أن تحقق البعد عن تأثير الحضارة الغربية. لذا، لو ضربت الطائراتُ الأمريكية المفاعل النووي الإيراني فإن الإيرانيين سيعيدون بناءه».
«كلين» كمن يقول لأمريكا وللعالم: «احمدوا ربكم أن إيران وقعت الاتفاقية النووية مع أمريكا بمزاجها، ولو أرادت ألا تفعل فلن يتغير شيء كبير بالنسبة لها».
وهناك لوبي وتجمع قوي لإيران في الولايات المتحدة، وللمفارقة معظمهم فعلا فارسيون مناوئون للحكم الحالي في إيران.. ويعززون عرق الفرس الآري المتميز في أذهان الصفوة بأمريكا.
معلومات «كلين» منحازة جدا. الحضارة وكل الأديان السماوية خرجت من المنطقة العربية؛ كم عمر حضارات ما بين النهرين؟ ويقرأ طلاب التاريخ في هارفرد أن أعظم حضارات التاريخ هي التي نشأت بين نهري دجلة والفرات، وكلها شعوب سامية خرجت من الجزيرة العربية. وهل نسي أن أقدم حاضرة في العالم لا تقع في فارس بل في سوريا، وهي دمشق. أما ما تكلم عن رقي الشعب الفارسي فلا نعترض على ذلك، ولكن الذي يجب أن نعترض عليه ونثبته أننا راقون ومتعلمون ومثقفون. الفرق أنهم يعرفون أن يتحركوا.. ونحن نراقب فقط هذا التحرك.
كذب «كلين» وكل من يأخذ رأيه. ولكن كلامه سيكون أمام العالم حقيقياً إن لم ندحضه بالدليل والمنطق.. وهما متاحان.