تنقل لنا كتب التراث، أن رجلاً شتم المهلب بن أبي صفرة، فلم يرد عليه، فقِيل له: لماذا حَلمت عنه؟ فقال: لم أعرف مساويه، وكرهت أن أبهته بما ليس فيه. هذه النفحة التراثية، التي تكشف الحيادية الحقيقية في شخصية الإنسان السوي، هي في تقديري ما يجب أن يتحلى به كل من يكتب للناس، ويناقش همومهم، ويدافع عن حقوقهم في مواجهة تقصير بعض الجهات التي لم يعد احد بحاجة إلى معرفة مساوئها. أكرر الكاتب الذي يعتمر أخلاق الحياد في طرح قضايا الناس يبقى وإن وصفه البعض بأنه مندفع، يبقى الأكثر قدرة على تمثيل الناس لأنه يعرف البئر وغطاها، ويعرف أن البئر والغطاء تطفح بالمساوئ.
.. قبل أيام قليلة كنّا في رحاب شهر مبارك، ثم حقق الله لعباده كرم الضيافة بالعيد وأيامه السعيدة، ومع كل ذلك الكرم ما زلنا نواجه في هذه المناسبات أخطارا وكوارث هي من عند أنفسنا، فقلَّ أن تمر مناسبة وإجازة دون أن نسمع عن غرق من يتجهون للشواطئ لقضاء إجازاتهم، حتى أصبحت مهمة الإنقاذ والحماية في الشواطئ من الواجبات التي تعد لها الجهات المختصة الاستعداد المناسب، ومع الشكر لرجال حرس الحدود في شواطئنا في الشرق والغرب والجنوب والشمال، تبقى الأخطار تهدد الناس بسبب تجاهلهم إرشادات السلامة، وتجاوزهم مواقع السباحة الآمنة، إضافة إلى حوادث الإهمال للصغار، وحوادث الغرق بسبب الإنهاك والمضاعفات الصحية والبدنية جراء السباحة الشاقة، نطمع في عطلات آمنة وبدون غرق، آمين.
.. في أجواء العيد هناك مناظر مألوفة تتكرر، منها مثلا طوابير الزبائن عند صالونات الحلاقة، ولن أتحدث عن مبالغات الأسعار التي نقلت الأخبار أن فرق الأمانات حاولت السيطرة عليها، وسأخبركم عن بعض المشادات التي تحصل مع الحلاق المتوتر والذي يعمل لساعات طويلة، وبين بعض الزبائن الحريصين على حلاقة مثالية ومتوازنة، عند شعورهم بخطأ في وزنية الشنب، أو خلل في تهذيب اللحية، وهذه الخلافات شبه مألوفة، لكن الملاحظ في السنوات الأخيرة انتقال هذه المشاهد إلى الكواليس النسائية وازدحامهن لدى الكوافيرات، وتخيلوا مشادة وعراكا مستطيرا حدث في بلد خليجي بين مجموعة من السيدات نتيجة خطأ في تشفير حواجب إحداهن، ما حدث هناك، متوقع حدوثه لدينا أيضاً، وكل المسألة بين الرجال والنساء تدور حول خطأ في وزنية شوارب، أو تشفير حواجب.. والله يستر.
.. كنت واهماً عندما فكرت أن العيد بساعاته يمكن أن يمر بدون خبر، أو حدث داعشي يعكر صفو الناس ويفسد عليهم إجازتهم واستمتاعهم بأجواء العيد، أقول ذلك بعد أن جاءت حادثة التفجير الإرهابي الفاشلة التي استهدفت سجن الحائر في اللحظات الحاسمة والفاصلة بين إعلان نهاية الشهر الكريم ولحظات بداية العيد السعيد، وزادت وكالات الأنباء من غرائب ووحشيات وتطرف داعش بأخبار مجنونة عن الدجاجة الانتحارية، والتي استخدمت من قبل التنظيم الظلامي في بعض مواقع النزاع بشكل فعلي، حيث حملت الدجاجات بعبوات تناسب حجمها وأطلقت على الخصوم، تقارير أجنبية أفادت بأن الأمر تجاوز تفخيخ الدجاج إلى تفخيخ الماعز، بربط عبوات ناسفة في أقدام البهائم وتوجيهها إلى مواقع ومعسكرات الخصوم، ليس للسواد ولا للجنون حدود، ولا يعترف بحرمة صيام أو عيد.
.. في العيد والنَّاس تعبر جسر الملك فهد للشقيقة مملكة البحرين بالأعداد المعروفة في مثل هذه المناسبات، نقلت الأخبار حادثة يصعب تفسيرها وقبل ذلك قبولها، طرفاها مؤسسة جسر الملك فهد، والشركة السعودية للكهرباء، حيث تم تبادل التهم والمسئولية عن انقطاع التيار الكهربائي الذي وقع في منطقة إدارة الجسر، والمؤسف ما نتج عن ذلك من اضطراب مروري، أناشد المسئولين في إمارة المنطقة، وعلى رأسهم سمو أمير المنطقة الشرقية، بأن تحدد المسئوليات بشكل يزيل أسلوب المماحكة بين الجهات الخدمية خاصة في مثل هذه الظروف التي لا تحتمل التخاذل والفوضى، كل الظروف حساسة ولا يحتمل تكرار ما حدث.
.. سألني منذ متى وأنت تكتب للناس؟
قلت: من وقت ليس بالطويل.
قال: ما غايتك مما تكتب؟
قلت: أحرص على إيصال معلومة جديدة للناس، أو مناقشة معلومة يعرفها الناس، وأبدي رأيي حولها.
فسكت، وكان هذا المقال.
* مستشار وباحث في الشأن الدولي