حين تقتني جهازا ذكيا (سمارت فون) على سبيل المثال، فذلك الجهاز يأتي محملا بالأنظمة والإعدادات والبرامج التي وضعها مطوروه، لكنك ما تلبث أن تغير تلك الأنظمة والإعدادات والبرامج بما يلائم حياتك وطبيعة عملك واستخدامك! هذا تقريبا ما نفعله مع كل الأجهزة الذكية التي نملكها حتى تكون ملائمة لحياتنا وللتواصل بيسر وسهولة وأمان مع العالم من حولنا، لكن معظمنا للاسف لا يفعل ذلك مع أذكى جهاز نملكه في حياتنا وهو العقل البشري! فعقولنا تبرمجت منذ الصغر على ما تلقيناه من موروثات برمجتها تلك البيئة التي كانت تحكمنا سواء في البيت أو المسجد أو المدرسة أو الشارع! لم ندرك أن تلك الموروثات ليست أفضل الموجود وأن منها السيئ والمشوش وغير الملائم للحياة ولذا مضى كلٌ منا يحمل موروثاته القديمة ويدافع عنها كلما تقدم به العمر منتقداً من لم تتبرمج عقولهم وفق موروثاته معتقداً أن له الحق بمطالبتهم بإعادة برمجة عقولهم لتوافق موروثاته في تطبيق متكرر لنهج فرعوني مقيت قال تعالى عنه: (قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد). ولكن حين يوفق الله العبد منا ويهديه الى ضبط إعدادات عقله بكل تجرد عن عواطف الموروثات وعواصفها سيقوم عقله بمسح كل الإعدادات الفاسدة وسيترك المفيد منها، وسيكون بمقدوره أخيرا ان يحمي نعمة العقل لديه كي لا تسرق او تستغل وهو لا يدري! تماما كأي جهاز ذكي يترك بلا رمز حماية، وسيصبح مستقلا بتفكيره قادراً على رفض كل ما لا يقبله عقله ولن تنطلي عليه بسهولة كما كان في السابق أي أفكار او مفاهيم خاطئة مهما كان قائلها وبذلك سيتخلص من كل القيود الموروثة التي كبلت عقله لسنوات وسينعم بحرية تفكير لا مثيل لها وسيدرك نعمة العقل حقا ويسلم بإذن الله من أن يكون ممن ذكرهم الله في قوله: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) وقوله تعالى: (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) وسيكون بإذن الله من (أولي الألباب) اصحاب العقول الذين ذكرهم الله واثنى عليهم سبحانه في مواضع عديدة.. غفر الله لي ولكم ومتعنا بعقولنا على طاعته.
