.. الحياة ألوانٌ.. والألوانُ جمالٌ، وقصةٌ، وتاريخٌ، وعاطفةٌ، وبهجةٌ، وتأملٌ، وفلسفة، وعلم.. بلا ألوان لا تتشكل الحياة ببهائها، وتعود سبَحَات غير مدركة. الألوانُ تتعامل مع قلوبنا فتفتح بوابات دورة الدماء الذي تملؤه بضجيج اللون الأحمر القاني الذي يعطيني هذا النفس الذي يجعلني حيا، وهذه الأصابع التي تلعب على لوحة المفاتيح لأنه فتح مولدات الطاقة بأنسجتي العضلية. اللون يتداخل مع أدمغتنا فنحن نرى بأدمغتنا ثم تنعكس على أعيننا، وفي الدماغ مشغل كبير يحلل اللون ويعطية الشكل الذي نرى، ولا يكتفي بذلك بل يعطيه الشعور العاطفي والانطباعي والتفاعلي مع الألوان أو كل لون.
الألوان معنا في ملابسنا وفي مكاتبنا وفي مركباتنا في مطاعمنا، وفي عروض الأزياء المبهرة، وفي الألعاب الكبرى.. وكل الحياة رواية لون، بل حكايا ألوان، وتضافر قوس قزحي يعطينا عجلة الألوان التي عشقها «جوته» الشاعر العاطفي الألماني الذي ركب برأسه أن يصير عالما فيزيائيا فخطـَّأَ العالمَ العظيم «اسحاق نيوتن» في نظرية دولاب الألوان. الألوان تحدد ذوقنا في الملبس، وفي التذوق العام، لذا يعكف الشرقيون والهنود خاصة على التفنن في تلوين الرز بالمبهرات الصارخة الجاذبة لتشغل تلك الغدد اللعابية تحت لسانك وتبدأ تسيل تطلب الطعام.
واللون من أهم فصول علم النفس، بل إن هناك علم نفس لونيا. وأنا لا أصدق في العلوم الإنسانية الحتمية مهما قيل ونُظِّر مع ولعي بجمالات العلوم الإنسانية.. العقلُ لا يصدق إلا القوانين العلمية الرياضية، أما في مسألة سيكولوجيا الألوان فلا إلزام. فانظر ان اللونَ الأزرق يوصي به النفسانيون للهدوء، بينما في جيوش الصين وكوريا واليابان يكون الأزرق هو لون الحماسة. وبينما اللونُ يبهرني– ما عدا البُني- ولكن لا يؤثر في شهيتي، فآكل في أي مطعم أكان لونه أزرق أم بنفسجيا أم تلزيقا ورُقعاً لونية. هي نظريات لا تحتمل القطعية الفردية.
أنا من المولعين العاشقين للون الأحمر، وأراه لون الأمل والفكر والفخامة والأبهة والأناقة والبرقة ولون الحياة، ولون فرض الشخصية. فهو أكثر الألوان تعدديا Multivalent واللون الأحمر هو الأطول موجة ومنظوراً للعين البشرية. لذا تعلقت بالأحمر، وأول سيارة اشتريتها كانت حصيلة تجميع 4 سنوات من العمل الصيفي وكانت من نوع مازدا، واخترتها حمراءَ فاقعاً لونها لتفرض شخصيتها في الطريق، فالأحمر هو الأكثر بروزا، ثم بكثافته وجاذبيته يعطي سيارتي الصغيرة حجما أكبر وحضورا أقوى. وما زال اللونُ الأحمرُ يأسرني، فحتى الكتب تراني أول ما أنجذب للكتاب ذي الغلاف الأحمر. ولو قدّر الله وبدأت أنشر كتبي فسيكون الأحمرُ حاضرا بإلحاح. أعتبر من الحالمين ذوي الرقة والميل للدعة والسلام، والأحمر يعطيني هذا الشعور الإنساني بالحب الغامر لكل زملائي على الكوكب.
اللون الأحمر لون الفرح وهذا ما لا يجادل عليه عند أهل الشرق عموما، وربما تعلمون أن العرائس باليابان وكوريا يرتدين فساتين زفاف حمراء اللون.. وهنا ننتقل من الذوق الفردي إلى التراكم المعرفي والتقليدي الجماعي، كما نحب نحن وأهل الغرب أن يكون لون الفرح هو الأبيض. بالمسألة الفردية كل له حرية اختيار اللون، بينما الجماعة حتمية تراكمية تقليدية. وانظر التناقض هنا فالممالك والإمارات الارستقراطية تعبر عن فخامتها باللون الأحمر، بينما الشيوعية التي تنادي بهدّ الممالك ومع العمّال شعارها اللون الأحمر.. هه!
وبينما يرى الطبيب أن اللونَ الأحمر هو لون الحياة، يرى الداعشي أن اللونَ الأحمر هو لون الموت.
وهأنتم ترون الفرق.. من مجرد لون!