الاعتداء الإرهابي على المصلين في مسجد القديح والذي كان محل استنكار واستهجان محلياً وعالمياً لم يكن موجهاً لأهالي القديح فقط بل هو جريمة بحق الوطن كله بكل فئاته ونواحيه، وهو محاولة لئيمة لزعزعة الاستقرار والأمن وتهديد أرواح المواطنين إضافةً إلى النوايا السيئة التي يهدف إليها من هم وراء المنفذين المباشرين لهذا الاعتداء الآثم، والذين يعملون ما بوسعهم على الإيقاع بين المواطنين وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والمناطقية بل والقبلية إن استطاعوا، فاليد الآثمة التي ضربت المصلين في القديح، هي نفسها التي اغتالت المواطنين في الدالوة بالأحساء، وهي نفس اليد الآثمة التي اغتالت رجال الأمن في دورية الرياض، وارتكبت غير ذلك من الاعتداءات في المنطقة الشرقية والرياض وغيرها؛ وسوف لن يقف حقدها عند حد معين بل ستواصل ارتكاب هذه الجرائم كلما وحيثما استطاعت.
لقد كان التعبير العفوي من كافة فئات المواطنين واستنكارهم لهذه الجريمة ومشاركتهم لأهالي الضحايا والمصابين، وكذلك الجموع الحاشدة التي سارت في موكب التشييع والعزاء، ومسارعة منسوبي القطاع الصحي في المنطقة لإلغاء إجازاتهم الأسبوعية للمساهمة في علاج المصابين، وكذلك حملات التبرع بالدم التي لم تقتصر على المنطقة الشرقية فقط بل تجاوزتها إلى الرياض والقصيم وغيرها؛ كل ذلك لم يكن مشاركة في العزاء فحسب ولا مواساة لأهالي الضحايا، بل هو كذلك رد قوي على كل الكائدين لأمن الوطن واستقراره بأن وحدتنا الوطنية عصية على تحريضكم وعبثكم.
أما حضور سمو ولي العهد وسمو أمير المنطقة الشرقية مقر العزاء ومواساتهم ومشاركتهم لذوي الموتى والمصابين فهي تعبير عن مشاركة المسؤول وولي الأمر المواطنين أفراحهم وأتراحهم، وهي قمة التواصل والتواضع والخلق الرفيع الذي اعتاده المواطنون من ولاة الأمر في هذه البلاد، وقبل ذلك كله ما ورد في كلمة خادم الحرمين الشريفين في اجتماع مجلس الوزراء، حيث أكد – يحفظه الله - على فداحة جرم الاعتداء الإرهابي الآثم، وأنه يتنافى مع القيم الإنسانية والإسلامية؛ مؤكداً أن جهود المملكة لن تتوقف يوماً عن محاربة الفكر الضال ومواجهة الإرهابيين والقضاء على بؤرهم، وتأكيده - أيده الله - أن كل مشارك ومخطط وداعم أو متعاون أو متعاطف مع هذه الجريمة عرضة للمحاسبة والمحاكمة وأن ينال الجزاء الذي يستحقه، إضافةً إلى استنكار المجلس الذي أعرب عنه في جلسته الأخيرة لهذا الحادث الإجرامي وما نتج عنه من سفك للدماء وقتل للأبرياء وانتهاك لحرمة النفس المعصومة وحرمات الأمن والاستقرار وحياة المواطنين الآمنين.
كما أن جهود الأجهزة الأمنية التي أدت إلى الكشف السريع عن هوية منفذ هذه الجريمة النكراء والقبض على أغلب أعضاء الخلية التي ينتمي إليها هي محل تقدير واحترام وتبعث على الثقة أن هذه الأجهزة اليقظة سوف تواصل جهودها في التصدي للإرهابيين ومن هم وراءهم من الجماعات الضالة والأيدي الآثمة. أما المواطنون في المنطقة الشرقية فسوف يواصلون العيش الأخوي والتواصل والتراحم والصلات التي اعتادوا عليها جيلاً بعد جيل، ولا شك أن أمثالي من أبناء المنطقة الشرقية ومن بني خالد على وجه الخصوص ما زالوا يحتفظون بعلاقات المواطنة والجوار مع إخوانهم من أبناء القطيف، وهي نفس العلاقات التي كانت بين الآباء والأجداد وورثوها جيلاً بعد جيل، ولا تنطلي عليهم ولا على أبنائهم من بعدهم مكائد الكائدين الذين لا يسعدهم أن يروا التلاحم والتآخي يسود بين أبناء الوطن الواحد لأن ذلك يحبط مخططاتهم ويسقط مؤامراتهم؛ وكما اتفقنا جميعاً في استنكار هذه الجريمة البشعة وتوحدنا في مواجهتها فسوف يكون هذا شأننا دائماً في مواجهة كل مصادر الفتنة والداعين لها ومثيريها، يداً تحمي أمن الوطن واستقراره ويداً تساهم في مشاريع البناء والتنمية حتى نكون جديرين بالمواطنة في وطن سيظل لنا جميعاً واحة أمن وعطاء واستقرار –بإذن الله-.
* أكاديمي وباحث تربوي واجتماعي