DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

 احمد سماحة

قراءة في مجموعة «ظل البيت» للقاص صالح الأشقر

 احمد سماحة
 احمد سماحة
أخبار متعلقة
 
قراءة: أحمد سماحة بعد أعوام طويلة من «ضجيج الأبواب» يجيء «ظل البيت» ساكنا، حالما، غائما، حزينا.. مهددا بالاغتيال، ومن ثم بالفناء لتنقطع ثنائية الدخول/ الخروج وتسقط الألفة في طرقات الشتات الجسدي والنفسي.. تجيء «ظل البيت» ممهورة بتوقيع صالح الأشقر بعد متغيرات كثيرة طالت الزمان والمكان والبشر وحتى التجربة السردية التي كان صالح أحد فرسانها في الثمانينيات.. إذ تفجرت لغة المعيش اليومي وتدثرت الرومانسية والشعرية والغنائية بدثار المفارقة والقلق لتقتسم وظيفة مغايرة.. وتقدم استخدام اللغة والوعي بتعدد مستوياتها الدلالية والصوتية لتتخطى حد الدلالة الإخبارية المطمئنة إلى الإيمائية القلقة، وتحولت الشخصية من النمطية والتماسك إلى الهلامية والتخلخل. غاب البطل الفرد وانتفت البطولة لتتوزع الرؤية على المجموع او الإطار او المشهد.. متغيرات كثيرة وعت «ظل البيت» بعضها لتبدأ غربة من لون آخر، لها طعم القهر ورائحة الخيبة ومرارة العجز. مساحة من الزمن هدأ خلالها «ضجيج الأبواب» لتنفتح على الظل بكل مدلولاته ومنها (الخارج) و(المتغير) و(التابع) و(الجامع) و(المانع) و(الساكن) لتشهد هزائم الذات وهاجس الخروج والشتات والضياع. ظل البيت عشر قصص شكلت رحلة موجعة لذوات لم تبرح بعيدا «ضجيج الأبواب» لتجد نفسها تقبع في الظل وتتأطر بالخيبة والألم، بلا طمأنينة، يضحى الهروب هدفها والاغتراب عالمها. هذه القصص التي أطرتها مجموعة «ظل البيت» تطرح عددا من القضايا في طليعتها مسألة النوع الأدبي وحدوده فهي ذات بناء ينتمي إلى القصة وان كان يخرق حدود هذا الانتماء على مستويات عدة. يجيء هذا الاختراق عبر محاولة استغلال تقنية الكولاج كما لاحظنا في (ظل البيت) و(مرايا) و (رحلة)، وعبر استغلال تقنية القصة والمشهد كما نرى في (أشهد اني حلمت بك) و(الطفل الذي رأى البحر)، وتقنية القصيدة كما في معظم قصص المجموعة وتكشف لنا النظرة الأولى إلى قصص المجموعة انها لا تطرح تصورا مسبقا يقدم الشخصيات بملامح مدروسة لتختلف وتتناقض بولادة الأحداث، كذلك محاولة البعد عن الإيهام بأن ما تقدمه هو صورة طبق الأصل من الواقع وان تملكها هاجس الهم الاجتماعي والإنساني الضاغط بكل ثقله دون حاجة لتحويله إلى رموز وإن مثلت الشخصيات المسحوقة الرمز البارز لعذابات الإنسان في واقع مرير. هذه الشخصيات التقطها الكاتب لحظة عجزها وحيرتها وألمها وإذعانها، لتحدد إطار القص دون ادعاء الموضوعية والحياد. ينفتح زمن السرد على أزمنة عديدة عامة وشخصية عبر تداعياتها وذكرياتها ولغتها الشاعرية.. ولعل الأبرز في بنائية قصص «ظل البيت» أنها غير قابلة للتلخيص فهي تتكون من حركة شخصيات مفترضة في مسار مفترض يخضع ظاهريا لقانون السببية والتعاقب الزمني ويتم التحريك وفق عناصر حكائية يحدث تعاقبها تغيرا في أحوال الشخصيات ويبرز ذلك واضحا في «تضاريس» وفي «مرحلة»، و «خسوف». وقد فرضت تلك البنائية إبداعا استعاريا اقتضى عمليات تجريد وترميز انتزعت ملامح المكان والشخصيات فحددت حركتها ونمطيتها وفي طليعة المكونات التي انحسرت عن المجموعة، شخصية البطل بالمعنى الفني، فهذا البطل اختفى فلم يعد هناك فاعل يقبض على دفة الأحداث ويحركها لتتسع الرؤية وليتقطع زمن السرد الخيطي إلى أزمنة وتتوزع الرؤية على الإطار او ساحة المشهد ويشكل المتكلم ـ الراوي للأحداث المحور الذي يؤلف بين جزئيات القص عبر دفعها لتتلاقي حول بؤرة المشهد. ويكشف القاص صالح الاشقر قدرته على حشد الجزئيات في مساحة زمنية مكانية واسعة لتنتظم وتتواصل وفق رؤية مدهشة أو غريبة أحيانا ففي (ظل البيت) القصة.. يتهيأ أبو مساعد للجلوس تحت ظل بيته الطيني، ثم يجلس ويدير رأسه ويعتدل في جلسته ثم يغمض عينيه وينحدر إلى داخله، ثم يستفيق برهة، ويمد بصره إلى اليمين فيرى الغبار الصاعد.. وبعد مساحة قليلة من رصد حركة الشخصية يسترجع الراوي أيام أبي مساعد الماضية والراكضة، ثم مشهد الجلوس الذي يجمع ابو مساعد بالأصدقاء.. ثم إضاءة شخصية سالم.. وينتقل المشهد إلى سالم ومشهد الجنية والعشق.. مشاهد متعددة، مليئة بالجزئيات في مساحة زمنية ومكانية واسعة.. هكذا يمضي البناء القصصي في ظل البيت بما يمثله من تواري العناصر الديناميكية التي تكشف عن مسيرة الأبطال وينتج عن تتابعها تغير في المصائر هذا التواري الذي يقابله بروز العناصر السكونية الاشارية التي تصف الحالات ويقترن هذا باستخدام الأصوات التي تحل محل السرد او تخترقه او تقطعه كالأصداء والأحلام والذكريات والحوارات (وإن قلت) ويكشف هذا التحول عن إفادة من تقنية القصيدة. وفي (تضاريس) يجيء (وادي) من هناك مبعدا (وهنا تجريد للمرجعية والإيحاء) فما هو هذا الهناك؟ كما أن (مبعدا) تنفتح على دلالات عديدة وتطرح اسئلة مثل لماذا؟ وكيف؟.. ويتواصل السرد متقدما إلى مشهد آخر (القى كل أحماله على ارض المطار اللامعة، واستقبلته رائحة المدينة وأصواتها السافرة..). (وحين اعتلى طرقاتها كان يفكر بوطن جديد). جزئيات عديدة في مساحة زمنية واسعة، وسرد مربك يستدعي المقارنة بين الهناك والهنا، وبين اللامعة والسافرة وبين القيود واللاقيود.. وبين الذات والآخر. وتشكل (تضاريس) و(ظل البيت) نماذج لعمل قصصي يطرح إمكانية تشكله كعمل روائي وذلك انطلاقا من تقنية لعبة زمن القص الفنية والتي تعتمد المونتاج السينمائي والتكسير الظاهر لزمن القص بمحو وهم توالى هذا الزمن.. الشحاذة وتأتي قصص المجموعة الأخرى متنوعة في بنائيتها وإن توحدت في بعض عناصرها (كما طرحنا) ولكن تبقى لكل قصة شكلها ففي (الشحاذة) الشكل ينطق ويبدو نمط القص مغايرا فثمة اتساق في القول القصصي وفي حركية القص وعنصر المكان والزمان في دلالته مع عنصر الراوي العليم الذي يرقب ويشاهد (الشحاذة) والآخر الذي يرقبها ويستخدم القاص هنا اللقطة المشهدية وكأن هناك كاميرا تلتقط الصورة وتعرضها ونحن نرقب المشهد (تجلس وإنما في هذا المكان/....) تتكور عند مدخل المطعم (...) يدها طويلة قوية وسريعة الحركة/...) (الوجه شكل صامت بلا تعبير نسائي) وتنتقل الكاميرا من الشخصية إلى المكان.. (المطعم يقع على الشارع العام.. الأثاث فاخر وموائد الأكل مرتبة بأشكال جميلة..). وتتوزع المشاهد بين الشخصيات والمكان والأشياء لتقيم علاقة بينهم عبر السرد الذي تتسق عناصره باتجاه توليد دلالة التباس بين المرأة والكأس والنادل المحايد الوجه والشخص المراقب. يولد الفني، باتساقه وتنهض البنية الفنية بتقنيات لها طابع الوحدة والتفكك في آن... ورغم تجرد الزمان والمكان والشخصيات تبقى دلالة وحيدة ربما تشي بإشارة ما إلى المكان او الزمان وهي استحضار الفنان التشكيلي عبدالجبار اليحيا في ثنايا الحدث.. عبدالله في قصة (عبدالله) والتي جاءت بضمير المتكلم (الراوي المشارك في الحدث) ينمو فعل القص بنطق يأتي من الذاكرة فبصوت الراوي يبدأ القص بمقدمة تختصر الموقف الذي كانت عليه لحظة وقوع الحدث.. (كنت وزوجتي في فندق فخم نحتفل بخفاء كلصين...). يتذكر الراوي ويتقاطع القص التذكري مع أسلوب اللقطة المشهدية... (صار الشارع طريقا ممتدا وفي آخره بيت مملوء بالبكاء) (حين مشيت بينهم سمعت انينا خافتا كأنه يخرج خلسة...). ويمضي القص نحو الحكاية رابطا بين ما تختزنه الذاكرة وبين ما التقطته العين الرائية لتبدو الوتيرة الزمنية السردية أكثر انتظاما والتحاما لا لمحدودية الزمن الآني للقص بل إلى قلة وجزئية الارتدادات الزمنية التي تمثل ومضات تذكرية خاطفة في اتجاه المحور (عبدالله) (الذي لم نعرف عنه وعن علاقته بالشخصية) وكأن تيمة (الفقد) او اللحظة الأسطورية التي تكتشف وتفضح وتعرى العالم هي الهدف. إنني هنا وقبل أن ابرح (عبدالله) أشير إلى ماهية (المروي له) من خلال السرد لاكتشف أن القاص قد وعى لأهمية هذا العنصر اذ ان المروي عليه يجيء بنفس رؤية الراوي او تخيله.. وكأنه يروي لنفسه ونلمس تلك التقنية في قصص أخرى وان كانت قليلة ومنها (الطفل الذي رأى البحر). (أشهد أني حلمت بك) رغم ان المروي له كما يبدو يشي به القص في (اشهد اني حلمت بك) هو (سارة) الحبيبة إلا اننا نلمس من خلال السرد الذي يعتمد فاعلية الذاكرة كعين باطنية (المونولوج) او (تيار الوعي) حيث اقترب القص من الكتابة الشعرية واتجهت الأنا بكل محمولاتها تجاه ذلك أن المروي له هو الراوي ايضا (مرت هذه الليلة بسلام وصفاء على غير العادة.... (وسفحت دمعتين، وكنت مقبوض القلب، ولكني قاومت). (شعرك الأسود يعبر الأرصفة والبنايات والشوارع والجهات..).. وهكذا ان هذه الصور الفنية شكلت ظاهرة لها حضورها فاكتسبت سمة القول الشعري.. لتصل في تشكلاتها اللغوية إلى محيط شعري مطوق بهالات الأحلام وجذورها السريالية (تجمع الأصدقاء كلهم حتى القدامى الذين اختبأوا تحت جدران الذاكرة (...) كانوا يبكون ويغنون بصمت جنائزي) وللحقيقة فان شاعرية اللغة عند الأشقر طالت قصص المجموعة.. فثمة صور فنية تتخلل القص لا يفصل بينها وبين الشعر الا الغنائية التي تشكل جانبا من جوانب البناء الشعري.. وقد حاول القاص ان يكسرها حتى لا تطغى على القول القصصي وذلك بحضور البصرية واستخدام الحواس وبالسرد المشهدي.. وغيرها. مرايا رغم انني لم أسع إلى الوقوف عند قصص المجموعة كل على حدة مفضلا تقصي المشترك والأبرز الا أنني سوف أتوقف قليلا عند (مرايا) وهي آخر قصص المجموعة وتنقسم إلى أربعة مشاهد ولان المرايا كما يقول فوكو تضاعف أو تكرر الأصل بما يمكن من رؤيته مضاعفا.. فهي بذلك تؤكد الذات وتكشف جوهرها بما يطلق عليه فوكو أيضا (تعزيمة القرين) أو التماهي بصورة القرين كما يقول لاكان وهنا تكون مشكلة لوظيفة الأنا. والمرآة تهيئ للذات فرصة التماهي بها فهي ترينا ما تقتضيه أعماقها.. والمرايا عند الأشقر قامت بهذا الدور إذ كشفت عن تضاعف صورة الذات من الداخل.. ففى المشهد الأول تتحول الذات إلى امرأة.. وتنسى في سوق الذهب ماهيتها. (ومضيت وانا امرأة ذهبية ـ ونسيت من أنا) وفي المشهد الثاني تتحول إلى (ميت) لتكتشف ان شيئا ما لم يتغير في سلوك الآخرين.. فلا بكاء ولا نحيب بل موسيقى تصدح.. وفي المشهد الثالث تبحث عن ملاذها الآمن في شخص والدها فتذهب إلى المقابر بحثا عنه.. وفي المشهد الأخير تكتشف غربة المكان (المرايا المزيفة) الذي ولجته فتتمسك بقيمها وتهرب حتى لا تتعرى تماما وفق شروط المكان. لقد حاول القاص ان يكشف ويؤكد على صرخة القلب لدى شخصياته.. الصرخة الوحيدة في قلب كل منهم (من أنا؟).. ولعل قصص المجموعة ومنها (مرايا)، و(خسوف) و(رحلة) وغيرها قد كشفت عن ذلك....  قراءة مستعادة  غلاف «ظل البيت»