«الدبرة» هي مصطلح شعبي عامي مأخوذ من التدبير والحكمة في إدارة الشيء، وعنوان المقال هو مثل شعبي كذلك مناسبته أن شخصين يتحدثان عن موقف ما فقال أحدهما: الدبرة نصف المعيشة فرد الآخر بل الدبرة هي كل المعيشة.
ولقد تداعى إلى ذهني هذا المثل الشعبي عندما كنت أستمع لبرنامج صباحي في إحدى الإذاعات وفي موضوع الحوار، استوقفتني مداخلة لأحد المتصلين حين تحدث عن تجربته الخاصة في تدبير معيشته في أسرته الصغيرة المكونة من زوجة وطفلين يعيشون في إحدى الشقق السكنية في الرياض بالإيجار السنوي، ويستلم راتباً قدره تسعة آلاف ريال. هذا المتصل أبدى تجربته بوضوح وثقة فأوضح أنه عمل (plan) خطط فيه بشكل شهري وسنوي ما يجب عليه فعله وصرفه، من أهم الأمور التي أثبتت نجاحها -والحديث للمتصل- أنه يعطي الزوجة خمسة آلاف ريال شهرياً لتتدبر شؤون المنزل والفواتير والأغراض الاستهلاكية والملابس والإيجار، في الوقت الذي يبقى معه أربعة آلاف ريال لمصاريفه الشخصية وفيها كما يقول أيضاً نخرج أسبوعياً مرتين للترفيه والعشاء أو الغداء في مطاعم ممتازة، واستكمل من هذا المبلغ بعض الضروريات، يؤكد المتصل أن أكبر مؤثر لراتب الموظف هي المطاعم، حين تكون بشكل يومي والمبالغة في شراء الكماليات والاهتمام بالمظاهر، ولعل ما أثار انتباهي كذلك من حديث هذا المتصل أنه قال: مضى على زواجي ست سنوات سافرت خلالها إلى دول أوروبية ثماني مرات تقريباً، وبعد شهر سأسافر إلى إحدى الدول الأوروبية لمدة شهر شاملة التذاكر والسكن والإعاشة بميزانية لا تتجاوز خمسة وثلاثين ألف ريال، وهذا بالطبع كما يذكر نتيجة لخبرته التي جعلته يحصل على العروض الأفضل بالسعر الأقل.
وبعد، فلقد أسرني حديث هذا الشاب وقليل أمثاله في مجتمعنا المسكون بالتبذير والإسراف والاهتمام بالمظاهر والكماليات واستحواذ السلوك الاستهلاكي على جميع مفاصل الحياة.
من المهم أن يستفيد كل شاب من هذه التجربة الرائدة لهذا الشاب المدبر فحياته المفعمة بالتوازن الملحوظ جديرة بالتأسي والاقتداء، فهو في الوقت الذي يعيش فيه على راتبه الذي يعتبر راتباً متوسطاً ضمن مستويات الدخل للموظف السعودي، فقد استطاع أن يضبط سيمفونية الصرف بطريقة ذكية، فلم يطلق يده ويبسطها كل البسط بالصرف غير المسئول وفي ذات الوقت لم يقتر على أسرته ويبخل عليهم.
من ملامح تجربة هذا الشاب الجميل، أنه أعطى الجزء الأكبر من راتبه للزوجة لتدبير شؤون المنزل وهذه التشاركية الرائعة هي خطوة حكيمة بلا شك، فالمرأة أقدر من الرجل في إحداث التوازن المالي، حين تتولى المسئولية، بل قد تكون أكثر صرامة من الزوج في عدم تخطي التخطيط المالي الدفتري إلا في حالة الضروريات القصوى.
ويبقى أن مدار النجاح يعود إلى الـ (plan) بكل تأكيد، فوضع خارطة طريق لميزانية المنزل تشتمل على التخطيط المتقن، أمر لا بد منه في ظل ظروف معيشية تحتاج إلى المزيد من التدبير، وفي ظل تغول إعلامي شديد جداً في الدعاية والإعلان وفي العروض والتخفيضات يحتاج إلى مقاومة عالية التركيز والإرادة والتصميم.
وحتى لا أنسى، فقد ختم المتصل حديثه بنصيحة مهمة جداً، وهي التوقف فوراً عن شراء السلع الغالية، حيث يؤكد أنه دائماً ما تكون هناك بدائل جميلة.. بالذوق وحسن الاختيار يمكن وجود البديل الراقي الذي يفوق في أحايين كثيرة الماركة الباهظة الثمن.
ويبدو أن الحاجة هي أم الاختراع، فهذا الشاب اهتم قطعاً بتحديد أولوياته ويعيش بالتأكيد مع زوجة متفهمة، تشاركه التحكم المعيشي بكل مسئولية واقتدار.
متصل آخر اختصر مشكلة عدم كفاية الراتب للموظف في أمرين اثنين، أولهما: عدم توفر السكن، وثانيهما: القروض البنكية، ولا يخفى أن هذين السببين كافيان تماماً لاستنزاف راتب الموظف حد النهاية وإلى آخر قطرة فإذا أضفنا إليهما عدم (الدبرة) أصبح راتب ذلك الموظف أياً كان مركزه في خبر كان.
* تربوي