عندما ترون موهوبا في مجال علم أو أدب أو فن من الفنون هل تتساءلون مثلي إن كان يحتاج إلى تشجيع ؟ وهل تتساءلون إن كان يحتاج إلى حضن يستقطبه ويدفعه عاليا ليحلق؟!. هذا ما أريد أن أحدثكم عنه في طيات المقال.
كان أنيس منصور يتردد كثيرا على مجلس العقاد الذي يعقد بشكل دوري في كل جمعة. ويحضر المجلس مختلف الأطياف والتوجهات من المجتمع، ومن هناك تحفز وتشجع واحتضن أنيس ليخرج لنا كتابه الشيق (في صالون العقاد كانت لنا أيام) وغيرها من الكتب الممتعة.
ومن قبل ذلك بزمن كان العقاد والرافعي وغيرهما من الكتاب يحرصون على مجلس الثلاثاء، حيث يحضره لفيف من الأدباء والمفكرين يتحاورون ويتنافسون فيما بينهم ليخرجوا لنا بعد حين إبداعات نثرية وشعرية معبرة وراقية.
تلك المجالس أو المحاضن هي ضرورية لأن فيها تتلاقح الأفكار، وتتنافس فيما بينها، ويشجع بعضهم البعض. وفيها أيضا تنتقد المواهب والنصوص نقدا تحفيزيا لا تثبيطيا، والمسافة بين النقد البناء والمثبط شاسعة وبعيدة! كبعد اﻷرض عن الشمس (المسافة بينهما هي مائة وخمسون مليون كيلومتر).
وفي وقتنا ومن بيننا انطلق مجلس يسمى ذوق الأدبي وهو نشاط اجتماعي نشأ في الدمام في المنطقة الشرقية، ويهدف إلى خدمة المجتمع بالشعر الراقي، والقصة الهادفة، والرواية النافعة، وتعزيز القيم الإسلامية المشرقة. ويسعى أيضا إلى التنقيب والبحث عن المواهب ورعايتهم، إضافة إلى إقامة الأنشطة الإعلامية الأدبية والمسابقات والدورات التدريبية.
وقد تفرع مؤخرا من المجلس مقهى ذوق اﻷدبي ليحتضن شبابا مبدعين في الشعر. ولعل هذا يكون إن شاء الله انطلاقة لمقاهٍ أخرى جديدة تشمل الرواية والقصة والمقال وغيرها، فالتخصص في فن من الفنون الأدبية هو المطلب ليشع الإبداع.
تلك المجالس والمقاهي تحتضن وتشجع ليس فقط الشباب، بل حتى الكبار (شباب القلوب!) لهم فيها نصيب. ومما يميز هذه المحاضن الفكرية واﻷدبية هو العمل التطوعي مع الدعم من أهل الجود والكرم في المنطقة. وهنا تأتي أهمية مشاركة القطاع الخاص في البناء الفكري المتزن والاجتماعي الفعال.
إن العمل التطوعي المؤهل والمصرح به مع دعم القطاع الخاص وتحت مظلة القطاع العام يكمل بعضه بعضا، فاليد الواحدة لا تصفق كما يقال. وحين ينصهر الثلاثة أعني العمل التطوعي، والقطاع الخاص، والقطاع العام الرسمي يخرج الناتج صلبا قويا حميدا. وهذا التضافر والتلاحم يكون أكثر تكاملا وترابطا من المجهودات الفردية التي قد تؤدي إلى نتائج مختلفة وغير مثمرة على المدى الطويل.
ومن فوائد تلك المجالس والمحاضن أنها معلنة ومفتوحة للجميع، وتحضرها أطياف مختلفة من المجتمع، وهذا يساعد على التقارب لا التباعد، وعلى الألفة لا البغضاء.
ومن فوائدها أيضا أنها تكتشف المواهب مبكرا، لأني موقن بشدة أن الله جعل في كل واحد منا موهبة في مجال معين. ولكن المشكلة أن البعض يتأخر في اكتشاف نفسه، بل الأمر الأكثر حزنا وألما أن الإنسان منا يدخل الدنيا ويخرج منها وقد دفنت معه موهبته حيا وميتا!
ومن هنا فاني أشكر وأشجع القطاع العام والخاص على دعم تلك المجالس والمحاضن الفكرية والأدبية وما كان في حكمها لأنها ظاهرة صحية تنبت أجيالا مبدعين يخدمون دينهم ووطنهم، وهل هناك أعذب وأجمل من خدمتهما معا؟!.
* م. الهندسة الميكانيكية