بالرغم من مرور وقت طويل على تاريخ نفاذ النظام المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، حيث بدأ النفاذ في اليوم الأول من شهر يوليو عام 2002م بعد أن صدّقت عليه ستون دولة من قبل، وقد تتابع توقيع بعض الدول بعد ذلك وترددت دول لتنأى بنفسها عن أن تكون جزءًا من نظام المحكمة الجنائية الدولية، وعلى رأس تلك الدول التي نأت بنفسها كانت أمريكا التي نصبت نفسها حاكماً على العالم أجمع.
وبالرغم من الاعلام الواسع الذي صاحب المحكمة الجنائية الدولية، إلا أننا لم نر لها انجازاً ملموساً يحقق المبادئ التي قامت من أجلها، برغم التحقيقات التي أُجريت على العديد من الحالات ضد أفراد متهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب كما حدث في أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى وكينيا وليبيا وساحل العاج وأعمال إبادة جماعية في دارفور بالسودان. والمحير في الأمر أنه وبالرغم من صدور أكثر من قرار بالقبض وتوقيف بعض من اولئك المتهمين إلا اننا لم نسمع بأن أحداً منهم قد تمّ توقيفه والتحقيق معه حتى يتسنى تقديمه للمحاكمة، بالرغم من أنهم ظلوا يتجولون أنحاء العالم شرقاً وغرباً على مرأى ومسمع وكأن قرارات المحكمة الجنائية الدولية كانت تصدر لمجرد الإلهاء أو التسويق الاعلامي لأغراضٍ أُخر. ظاهر الحال يوحي بأنّ المحكمة الجنائية الدولية يبدوا أنها تعاني من حالة عزلة حتى من أعضائها الذين ظلوا يماطلون في دعمها، حيث نجد بعض الدول الأطراف بالمحكمة لا تدعم أية زيادة في ميزانية المحكمة، لا سيما تلك التي تؤثر في قدرتها على إجراء تحقيقات وملاحقات قضائية تؤثر على قواعد إجراءات التقاضي السليمة (من خلال الإصلاح القائم للمساعدة القانونية الممنوحة للمتهمين وللضحايا). وتلك الاجراءات التي تخص الدور والمكانة التي تعتزم الدول منحها للمحكمة الجنائية الدولية حتى تتمكن من القيام بالدور المنوط بها، من اجل تحقيق العدالة الجنائية الدولية، على الأقل في سياق التسويات السلمية للنزاعات وإرساء سلام دائم على المستوى الدولي. ما حدا بالفدرالية الدولية لحقوق الإنسان نشر العديد من التوصيات من أجل محكمة جنائية دولية فعالة ومستقلة. لذلك فقد نادت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان بزيادة نطاق المحكمة من قبل بما يُضفي على المحكمة الجنائية الدولية صفة العالمية ومن ثم زيادة دعم الدول الأعضاء لها مادياَ بما يمكنها من تسيير أعمالها التي غالباً ما تكون مكلفة للغاية، وبالإضافة لإقرار دعم التحقيقات والملاحقات القضائية الخاصة بمكتب مدّعي المحكمة، والحرص على توفير الشفافية وتعظيم أثر عمليات الفحص الأوّلي من قبل المحكمة مع تفعيل ودعم دور المشاركة والتمثيل الفعالين للضحايا والحرص على ايجاد ضمان الانصاف والدعم للضحايا والمجتمعات السكانية المتأثرة ودعم حماية الشهود والضحايا والوسطاء بما يجعلهم في مأمن من كل شر قد يصيبهم بسبب ما يدلون به من شهادة من شأنها كشف معلومات خطيرة ضد أفراد متنفذين. بالرغم من أن الكثير من الدول قد صادقت على نظام المحكمة الجنائية الدولية إلا أنّ جهود إضفاء العالمية على المحكمة يحتاج إلى الدعم والتعزيز إذا ما علمنا أن دولاً كبرى لم تصادق على نظام المحكمة، كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين (كُبرى الدول)، كما نجد في الشرق الأوسط وآسيا على وجه الخصوص الكثير من الدول لم تنضم للنظام المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية حتى الآن، ما صعّب على المحكمة القيام بدورها وممارسة اختصاصها القضائي في العديد من القضايا التي تدخل في اختصاصها، حيث نجدها ـ أي المحكمة الجنائية الدولية ـ لم تستطع أن تقوم بدورها على النحو المطلوب وقد ظلت ولم تزل عاجزة عن فعل اي شيء من أجل تحقيق الامن والسلم الدوليين كاهم هدف قامت من اجله، وحدّث ولا عجب عن الحال الآن في سوريا وفلسطين على وجه الخصوص، وما أكثر بؤر النزاعات في شتى بقاع العالم اليوم وما يتبعها لخروقات سافرة لحقوق الانسان جراء جرائم الحرب وحملات التطهير العرقي في كثير من الأنحاء، ما يعني أن المحكمة الجنائية الدولية في حاجة ملّحة للحصول على المزيد من التصديقات على النظام الخاص بالمحكمة من أجل توسيع نطاق اختصاصها حتى تكسر حاجز القيود المفروضة على اختصاص المحكمة، وإنهاء التصور الخاص بأنها غير محايدة، حيث يعزز هذا التصور حقيقة أن معظم التحقيقات التي قامت بها المحكمة الجنائية الدولية في القارة الأفريقية، كما يجب على مكتب مدعي المحكمة الجنائية الدولية أن يتمم تحليله الأوّلي الخاص بالعديد من الحالات في مناطق غير أفريقيا، حيث أصبح التحقيق في الأوضاع التي تحدث في العديد من المناطق الأخرى مبررا وضروريا للغاية.
محام دولي ومستشار قانوني