ليس هناك ما هو أخطر على الرأي العام من ردود الفعل المباشرة التي تشعل الساحة الإعلامية بما يفرزه الانفعال من ردود فعل عاطفية قد يغيب عنها في لحظات هذا الانفعال الكثير من الرؤية الصائبة التي تفرضها الكتابة الموضوعية عن أي أمر مهما كان صغيرا أو كبيرا، وإذا كان الانفعال والتأثر أو حتى فورة العواطف في الأمور ذات التأثير على حاضر ومستقبل الناس، فهذا له ما يبرره، لأنه يمهد في النهاية لبروز الآراء الموضوعية والمعتدلة، ويؤكد إن الإعلام ليس في غيبة مما يجري حوله، لكن أن تستنفر كل القوى الإعلامية للكتابة عن انتصار فردي أو خطأ فردي لتحشد الأقلام وتسطر القصائد العصماء حول هذا الموضوع فهذا لا يدل إلا على فراغ فكري يستوجب التأمل والتوقف عند أسبابه ودواعيه ونتائجه. ولأن وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي نشطة حول هذه الأمور، فإن كثافة عدد المجتهدين في التعاطي معها يفوت الفرصة على المتلقي للمتابعة والإمساك بأول خيط للحقيقة المجردة التي لا تحتمل المزايدة والتهويل والتشنج والانفعال في الطرح، وأعتقد أن ثمة مواضيع أهم يمكن معالجتها والاهتمام بها من فوز فريق على فريق أو خطأ رجل أعمال دفعته العاطفة لتفكير جانبه الصواب، أما النوايا فالله وحده العالم بها، فلا هذا الفريق جلب للبلاد كأس العالم، ولا ذلك الرجل كفر عندما اجتهد وأخطأ في اجتهاده، وهاتان الحالتان ليستا سوى نموذج للهرولة اللاهثة التي يجري وراءها بعض الكتاب، وتجري معهم الجماهير منفعلة بما يكتب حولها من آراء أقل ما يقال عنها إنها آراء انفعالية ربما كان تأثيرها السلبي أكبر من تأثيرها الإيجابي، هذا على افتراض أن لها تأثيرا إيجابيا بشكل أو بآخر. بعض الكتاب وأصحاب الصحف والمدونات الإلكترونية، وقروبات الواتساب وحسابات التويتر والانستغرام والفيسبوك وما شابهها من وسائل التواصل الاجتماعي.. جميعهم يتحملون مسئولية هذا الانحياز العاطفي لكل ما هو هزيل وغير مجدٍ وغير مؤثر على حاضر ومستقبل المواطن، فما هي سوى فقاعات يجب ألا تأخذ أكثر من حقها ولا تعطى أكبر من حجمها، من المتابعة الإعلامية غير المجدية، والاهتمام الجماهيري غير المحمود، فهي تلهي الناس عن قضاياهم الجوهرية، وتعودهم على الاهتمام بالأمور الهامشية، وتستلب من جهودهم وأوقاتهم ما هو جدير بأن يستغل في المفيد والمجدي والنافع من قيم الإنتاج والتفاعل المثمر مع ما هو أهم وأجدى في الحياة. وإذا كان هذه الاندفاع وراء هذه الأمور يعني فراغ التفكير وضياع الجهد، فهو يعني أيضا تعويد النشء على هذه السلبية تجاه القضايا الجادة في المجتمع والوطن، لتأصيل قيم هزيلة من الاهتمامات الهامشية وغير المجدية على المستوى العام، وإن كانت لها فئات محدودة تطبل وتزمر لتلك الأمور ذات القدرة على تهميش اهتمام الناس وصرفهم عن التركيز على ما هو أهم وأكثر مساسا بواقعهم ومستقبلهم. وهذه الملاحظات لا تعني الوصاية على الناس وتحديد اهتماماتهم الخاصة، ولكنها تعني التنبيه على ضرورة الاهتمام بالمجدي من أمور الدنيا والدين، والأكثر نفعا للناس في حياتهم، وما هو مؤثر إيجابيا في البناء التنموي الشامل، صحيح أن هذا الطفح موجود على جسد كل مجتمع، لكنه لا يأخذ في المجتمعات الأخرى كل هذا الاندفاع والاهتمام لتقوم الدنيا ولا تقعد حول فريق كرة قدم فاز أو رجل أعمال أخطأ في تقديره الخاص دون أن يترك هذا الخطأ ضررا مباشرا على غيره، وهذه المبالغة في الطرح أولى بها أن تتركز على القضايا الجوهرية ذات التأثير على حاضر ومستقبل المواطن، حتى لا يصرفنا المهم عن الأهم، عندما نهتم بالأمور الصغيرة، وننسى الأمور الأكبر والأكثر تأثيرا على حاضرنا ومستقبل أجيالنا.
رئيس مجلس إدارة نادي المنطقة الشرقية الأدبي