مع إعلان نهاية «عاصفة الحزم» مساء الثلاثاء الماضي 21/4/2015 استبشر ملايين الناس ليس فقط في اليمن وبلدان المنطقة بل في العالم أجمع بهذا الإعلان ورأوا فيه وفي المفاجأة التي لم تكن واردة في اذهان المراقبين بادرة فريدة وجديدة وسط فضاء يعج بالحروب والاضطرابات العبثية. مع ذلك وكحال أي حرب تعلم الناس أن يعرفوا كيف بدأت، أما كيف ستنتهي فذلك أمر لا يملكون مفاتيحه رغم وضوح ضرورته للناس والبلدان والدول. اليوم يعيش اليمنيون والخليجيون والعرب وشعوب المنطقة فرحاً يشوبه الحذر وسط جحيم من الإعلام المعولم الذي لا يرحم. من المسئول عما حدث ومن المسئول عن الإخفاق- لا سمح الله– لو تعثر مشروع السلام؟. هذه الأسئلة وعشرات غيرها يطرحها الإعلام عبر كل الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة ويتبارى على الإجابة عنها مئات بل آلاف الخيرين والمرجفين. ما قد يبدو مهماً في عاصفة الإعلام هذه هو الإعلام اليمني والخليجي والعربي و«تصوراته» في هذا الاتجاه يمكن- واستناداً إلى طريقة تفكير سمترية سائدة- تقسيم المقاربة لما حدث ويحدث في اليمن إلى ثلاثة اتجاهات هي في الواقع مواقف مع أو ضد أو وسط ملتبس. وبما أن طرق التفكير السائدة حتى في فضاءات النخب مسكونة بالتكرار فلا بد منه على أن يكون في أضيق الحدود. لابد من الإشارة هنا إلى حق كل إنسان في أي بلد- بغض النظر عن نوع الحكم السياسي في بلده- أن يقول رأيه فيما يدور في بلد آخر دون إقحام الموضوع في نوع الحكم القائم هنا أو هناك. لنكرر باختصار ماذا كانت المشكلة في اليمن ولماذا حدث التدخل السعودي العربي؟ إذا استثنينا الدعاوى (التعبوية) كالمطامع السعودية في اليمن، ورغبة السعودية في «بقاء اليمن ضعيفا» وعدم قيام بلدان الخليج بواجبهم في مساعدة اليمن اقتصادياً وخوفهم من انفجار اليمن وما سيلحقه هذا الانفجار من حرائق في بلدانهم.. إلى آخر هذه التصورات الجديرة بالمناقشة، يبقى السؤال الأهم: إلى ماذا كان ولا يزال اليمنيون يطمحون إليه ويعتدون به وماذا كان دور السعودية وبلدان الخليج في تعضيد هذا التوق بغض النظر عن نظمهم السياسية؟
العملية السياسية في اليمن والتي تلت انتفاضة اليمنيين في 2011 وأسقطت منظومة الفساد وأقامت شرعيتها المستمدة من انتخاب رئيس شرعي وحكومة انتقالية أساسها التعددية السياسية. هذا كان ولا يزال طموح اليمنيين، فمن انقلب على هذا المسار ومزّق خريطة الطريق على أبواب عدن قبل ساعات من انطلاق عاصفة الحزم؟ العملية السياسية التي كانت تجري وفق المبادرة الخليجية وبرعاية أممية كانت تخرّب وبشكل ممنهج في وضح النهار بدأت من عمران ولم تتوقف في صنعاء بعد أن تم الاستيلاء عليها بالقوة بالتحالف مع ألوية الجيش الخاضعة لتعليمات العدو- الحليف الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. واستناداً إلى تجربة طويلة أيديولوجية وعسكرية إيرانية عابرة للحدود تمادت من التعبئة المذهبية إلى التمدد على الأرض عبر تشكيلات طائفية بحتة ملتزمة رسمياً بخط الثورة الإيرانية. استبد الغرور بـ «السيد» الجديد في صعدة فصعّد التخريب وصولاً إلى الإعلان الدستوري الذي وضع موضع التنفيذ حركته الانقلابية.
في بيانهم الأخير حول وقف عاصفة الحزم لا يفعل الحوثيون سوى تكرار لغة شعارات تيبّست حول الثورة الموسومة بفساد حليفهم المؤقت الذي ضحوا في سبيله بكل أحزاب ومنظمات العملية السياسية بعد أن «ماطلوا في متابعة الحوار» وأصبحوا كلهم من الفاسدين حسب البيان الدستوري الحوثي الذي أعلن يومها قيام «اللجنة الثورية العليا» كسلطة لعموم اليمن.
في الرياض كانت الخطوط الخضر قد تقلصت لدى الملك الجديد سلمان بن عبدالعزيز وطاقم إدارته الشابة فوجد أن الوقت قد حان للقيام بمبادرة جديدة واستثنائية لرد الحق لأصحابه في اليمن يعزز جرأة الأمل ويضع معالم قوة لردع رغبات الهيمنة الأجنبية.