يعرف كثير من المطلعين على الأوضاع السياسية في العالم مدى شهرة المستشارة الألمانية الحالية أنجيلا ميركل، وكونها أقوى سيدة في العالم؛ فهي التي تتحكم حالياً في الاقتصاد الأوروبي، وفي سياسات الاتحاد الأوروبي، كما يتذلل لها عدد من القادة العالميين مثل الرئيس الروسي بوتين وشخصيات سياسية واقتصادية في العالم. ومثلما سطع نجم ميركل بوصفها مثالاً للانضباطية الألمانية في العمل واحترام المبادئ والسير وفق مقاسات المسطرة المعروفة عن الثقافة، التي يتشبع بها الألمان منذ نعومة أظفارهم؛ فقد لمع نجم آخر لسيدة أخرى في الحزب نفسه، هي السيدة أورسولا فون دير لايين، وزيرة الدفاع الحالية في حكومة ميركل، والمستشارة القادمة في نظر عدد من المحللين السياسيين، لما تتمتع به هذه المرأة الأخرى من مواصفات قيادية، وقدرة على الانضباط، وجرأة في طرح ما لا يمكن طرحه وتبنيه وإنجازه في الوقت الذي تجري معها هذه المراحل فيه.
وهذه السيدة السياسية العملية جداً هي من عائلة سياسية عُرفت بالانضباط، ولذا يشبهها بعض الصحفيين بعائلة كينيدي الأمريكية. وعندما قدمت إلى الدنيا، كان أخواها اللذان كانا يتمنيان أن تكون لهما أخت ناعمة وتلطف أجواء حياتهم الأسرية، بخلاف صورة أمهم الصارمة والعملية جداً، وأبوهم السياسي المنهمك في أدوار العمل السياسي وتبعاته الاجتماعية. لذلك سمياها «الوردة الصغيرة» بالألمانية: (Roeschen)، تيمناً بتحقيقها حلمهما في التوازن داخل الأسرة. لكن حلمهما تبخر مع سنواتها في نهاية العقد الثاني من عمرها، حيث أصبحت تحضر مجالس والدها، وتناقش الرجال بكل جدية، بل وكانت تريد أن تثبت لوالدها أنها أقدر من أخويها اللذين يكبرانها على فهم مسائل الحياة والسياسة العامة أيضاً. وقد أثبتت السنوات اللاحقة ذلك، حيث صعدت بقوة في كوادر الحزب الذي انضمت إليه (وهو حزب المستشارة الحالية أنجيلا ميركل)، وتبوأت في تشكيل الحكومة الأولى لميركل وزارة الأسرة، ثم في الائتلاف الحالي بين الحزبين الكبيرين استلمت دفة وزارة الدفاع، لتكون أول امرأة في التاريخ تصبح وزيرة دفاع لألمانيا.
وقد زارت الجنود الألمان في ثكناتهم في أفغانستان، وأثبتت أنها قادرة على تحفيز تلك القوات في عملها الخارجي الصعب، وكذلك وضعت بمشورة كبار موظفي الوزارة وعسكرييها خططاً لمشاركات ألمانيا في ضبط السلم العالمي، والمساعدة في الحد من الأزمات في مناطق الصراع المحتدمة. وعندما تشكل التحالف الدولي لمحاربة داعش في العراق، كانت هي من أوضح أصحاب القرار الألماني في الحديث لوسائل الإعلام مباشرة ودون مواربة عن تسليم أسلحة ألمانية للبيشمركة في شمال العراق، بالرغم من أن القرار ثلاثي (لدى المستشارة الألمانية ميركل ووزيرة الدفاع فون دير لايين ووزير الخارجية شتاينماير)، إلا أنها كانت نجم التسويق لهذه السياسة الجديدة والجريئة في ألمانيا الحديثة، بعد التخلص من الحرج المستمر في تصدير الأسلحة الألمانية إلى الخارج لدى كثير من الحكومات السابقة.
بل إنها في زيارتها إلى أفغانستان في ديسمبر 2013م، كانت قد بلغها وفاة والدها أثناء الزيارة، فشاركت الجنود في اللقاء، وألقت كلمتها بينهم، وبعد أن انتهت، قالت: فلتعذروني ألا أكمل البرنامج معكم هذه الليلة، فقد بلغني قبل ساعة وفاة والدي، وسأعود إلى مقر السكن. لكن بقية فعاليات برنامج الزيارة في اليوم التالي سارت في مواعيدها تماماً، مع أنه ما كان سيلومها أحد لو عادت من الرحلة فور وصول الخبر إليها. هذا هو نموذج السيدات اللائي بألف رجل كما تقول ثقافتنا العربية، وقد كان عندنا في السابق بعض الأمثلة المشابهة، لكننا أصبحنا نرغب في وردات صغيرات. أستاذ اللسانيات بجامعة الملك سعود