في كل الأحوال فإن "وطننا أغلى ما نملك، وأغلى ما نملك وطننا. وما نملك لوطنِنا، ولوطننا كل ما نملك". وثمة أحوال تبرز هذه المعاني بجلاء وقوة، ومنها حالة الحرب. ووفقاً للنظام الأساسي للحكم (المادة 61) الملك هو من يعلن حالة الحرب، وقد أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –رعاه الله- عن انطلاق "عاصفة الحزم"، بعد أن جهزت لها المملكة تجهيزاً مضنياً وبنت من أجلها تحالفاً كبيراً، فالحرب ليست قراراً يتخذ على عجل، فعمق التخطيط واكتمال التجهيز وتمام الاستعداد هي من أسباب الفوز، وقبل كل ذلك توفيق الله سبحانه.
والحرب ليست أمراً مُحبذاً ولا خياراً إبتدائياً؛ فهي آخر العلاج، عندما تُهدد المصالح الاستراتيجية للبلاد، فامتداد الحدود السعودية-اليمنية يقارب 1500 كيلومتر، فضلاً عن أن المملكة بلدٌ له مصالحه الإقليمية، وبلدنا لا يعيش لنفسه ولذاته؛ إذ يُعول عليه عربياً واسلامياً واقليمياً وعالمياً. ولا يفوت المتابع أن الجهود الدائبة التي قام بها الملك سلمان بن عبدالعزيز –يرعاه الله- لاستعادة المبادرة حفاظاً على المصالح الحيوية السعودية وإعادة التمركز العربي في المنطقة العربية أمرٌ لم يسبق إليه حديثاً إلا بجهدٍ سعودي آخر في العام 1973، ولم يك ذلك كذلك من أجل السعودية فقط، بل من أجل الكرامة العربية والمصالح الحيوية للعرب في محيطهم اللصيق وإقليمهم الحيويّ، فكانت وقفة مشهودة جسدت معاني الإيثار، وأبرزت ما يمكن أن يُحدثه التنادي العربي من فرقٍ ليس اقليمياً فقط بل إنه عالمي كذلك، بل إن العالم لم يعد بعد مقاطعة النفط العربية كما كان قبلها؛ لا اقتصادياً ولا استراتيجياً، وليس أدل على ذلك من أن اقتصادات النفط اجترحت لنفسها نهجاً جديداً بعد تلك المقاطعة، والتي تبلورت وتحققت بوقفة سعودية ثابتة، ساهمت في بلورة الإرادة العربية وفرضها على كل من كان يريد أن يتجاوزها، حدث ذلك بحصافة الملك فيصل –يرحمه الله- ومبادرته وحكمته، فقد أفهم هنري كسنجر ما كان –رغم حذقه- يصعب عليه تصوره وفهمه. لم يستوعب الكثيرون وقتئذ مرامي المبادرة ولا أبعادها، لكن الأمر تجلى بعد ذلك للقاصي والداني، وللمحب والكاره، وللحاذق اللماح والنزق وللبسيط الساذج. واليوم، نحن ومنطقتنا العربية نكابد منعطفاً جديداً، وما أكثر ما مرت به منطقتنا من منعطفات، برز له عهدٌ جديد لملكٍ تَمرّس في الحياة والحكم، فنهض لمجابهةٍ فاصلة تحسم ما قبلها وتؤسس –بإذن الله- لما بعدها لصالح المملكة وشعبها وللوطن العربي إجمالاً؛ فقد وصل تهلهل العرب وتمزقهم وهوانهم على منافسيهم واستخفاف أعدائهم بهم مبلغاً مؤلماً لا يرضى به غيور ولا يطمئن له مُحبّ، مما يجعل الصمت معيباً، والمواربة مكشوفةً، والحياد ممقوتاً. وعلى الرغم من أن الحرب هي دائماً ركوب للصعاب، إلا أن العاقل لا يركب صعباً إلا لتجنب ما هو أصعب، وليس أصعب على أمةٍ عزيزة- أكرمها الله سبحانه بأن تكون حضناً لرسالته، وجعل لغتها وعاءً لكتابهِ الكريم- من ألا تمتلك قوةً وتماسكاً يكسران قلب من يتربص بها شراً أو يريد لها انتقاصاً في سيادتها أو استقلالها.
وفي وقت "عاصفة الحزم" حريٌ بنا كسعوديين إدراك أنه لا خيار أمامنا، في هذا الوقت بالذات وأكثر من أي وقت مضى، إلا التكتل والتآزر والتماسك سوياً تقويةً لوحدتنا الوطنية، وتعزيزاً للحمتها، وتحقيقاً لمصالح بلادنا، التي هي –بعد الله تعالى- الحصن الحصين والدرع الواقية، فذلك من دواعي القوة والمنعة والنصر. وأن ننشغل بمن يعادي بلادنا، وأن نتداعى للذود عن بلدنا ومكتسباته أرضاً وسماءً وبحراً، وتعزيزا لما له من سطوة وقوة ومنعة ليبقى –كما كان دائماً- سيداً عزيزاً مهيباً، بلسماً لجراح العروبة والإسلام.