(إن كل مواطن في بلادنا وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي هو محل اهتمامي ورعايتي فلا فرق بين مواطن وآخر، ولا بين منطقة وأخرى، وأتطلع إلى إسهام الجميع في خدمة الوطن، ولقد وجهت سمو وزير الداخلية بالتأكيد على أمراء المناطق باستقبال المواطنين والاستماع لهم ورفع ما قد يبدونه من أفكار ومقترحات تخدم الوطن والمواطن وتوفر أسباب الراحة لهم.)، الملك سلمان بن عبدالعزيز. •••
هذا مما قاله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يحفظه الله، في كلمته الشاملة أمس الأول، والتي طرح فيها التوجهات الأساسية لبرنامج الحكومة في السنوات القادمة، وما قاله تجديد وتأكيد لثوابت الدولة التي وضعها الملك المؤسس عبدالعزيز يرحمه الله، فالوحدة الوطنية القوية التي دامت لأكثر من قرن استقرت على مبدأ المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات، وهم متساوون في حق الإسهام في البناء، والمساهمة في اثراء القرارات التي توجه التنمية.
من ضمن البرنامج الحكومي الذي حدده الملك سلمان في كلمته هو توجيهه لأمراء المناطق بضرورة الاستماع للناس لتلقي تصوراتهم عن مشاكلهم، وأفكارهم والمقترحات التي يرونها لحل المصاعب التي تؤثر على حياتهم. لهذا التوجيه تطبيقات عملية تحقق تلافي (الخلل في التواصل) بين الوزارات والهيئات الحكومية المركزية وفروعها في المناطق، فقد يعاني الناس من قصور في الخدمات وضعف في الإجراءات، وهذا الخلل قد لا يصل بالشكل السليم والدقيق إلى مراكز صناعة القرار، وهكذا تتفاقم المشاكل.
في هذا التوجيه الملكي توسيع لدور أمراء المناطق الرقابي والاشرافي على تقديم الخدمات والتأكد من جودتها وكفاءتها، وايضاً في التوجيه الملكي تعميق لمسؤولية وواجبات المواطنين بحيث يكونون جزءا من الحل للمشاكل التي تواجههم، وبالتالي مصدرا لتطوير العمل الحكومي.
توسع التعليم في جميع المناطق أتاح نمو التفكير العلمي، فالمتعلمون المبدعون لديهم أفكار وتصورات جديدة وتحمل بذورا وطاقة للتطوير والتحسين الاداري والمالي لأداء مؤسسات الحكومة. كما أن الجامعات الناشئة توجهت إلى الدراسات والأبحاث، وهذا يوجد موارد بشرية لديها القدرة على الرؤية بعيون جديدة للواقع المحلي.
أمراء المناطق بيدهم الآن عبر التوجيه الملكي مهمة وطنية، وبيدهم آلية عملية لتحقيق تطلعات الملك سلمان، عبر مجالس المناطق. المجالس تتيح إيجاد (مشروع دائم) في كل منطقة عبره يتم استقبال آراء ومقترحات وشكاوى المواطنين بشكل علمي منهجي، فقد يتضمن المشروع مسارا لاستقبال الأفكار الفردية وفرزها وتدوينها، وقد يتضمن جلسات استماع عبر مجالس الشباب والمهنيين والقياديين في القطاع الخاص والمجتمع المدني، مع تنظيم ورش عمل وندوات، ومسابقات وجوائز لافضل الاراء والمقترحات.
في هذا المشروع، سوف يتحقق حراك اجتماعي يستوعب النمو المعرفي الذي أوجدناه للأجيال الجديدة، ويتيح استقبال الأفكار والتصورات لما تواجهه التنمية في اطارها المحلي من مصاعب ومشاكل بأقل التكاليف. هذا التوجه أيضا يتضمن أمرا مهما وهو: توسيع مشاركة الناس في القرارات الحكومية، ويتضمن آلية علمية تنقل للملك بشكل منتظم احتياجات وتطلعات الشريحة الكبرى للناس.
وهنا يأتي دور وزارة الداخلية وواجبها لمساعدة أمراء المناطق والدفع بالتوجيه الملكي. واجبها المبادرة العاجلة لايجاد الظروف الموضوعية لهذا المشروع مع آلية تنفيذه وتمويله، حتى يستطيع أمراء المناطق تنفيذ التوجيه الملكي وتحقيق ما نتطلع إليه جميعا من تدعيم للوحدة الوطنية، وللمشروع تطبيقاته السياسية المهمة.
إن إحساس الناس، في جميع المناطق، بأن صوتهم وأفكارهم ومشاكلهم تصل إلى الملك بطرق علمية منهجية محترفة سوف ينعكس على احساسهم بقيمتهم ويعزز (القيم الوطنية الإيجابية) عن أنفسهم وعن بلادهم، وهذا أشد ما نحتاج للخروج من حالة السلبية وجلد الذات ورمي المشاكل على مؤسسات الدولة أو على الآخرين بدون الاحساس بالمسؤولية تجاه الذات وتجاه الوطن. هذا مسار ضروري لبناء المواطن الصالح الإيجابي في نظرته لذاته وللناس وللحياة، وهو المسار الصحيح لبناء الحكم الصالح.
ما وجه به الملك هو دعوة إلى الرؤية بعيون جديدة، رؤية لعلها تساعد على اعادة تعريف مفهوم الخدمات الحكومية، والتوقف عن نقد الموظفين البيروقراطيين إلى التركيز على بناء النظم والآليات الحكومية لتكون أكثر استجابة لمتطلبات المرحلة القادمة، مرحلة الحكومات الخفيفة الذكية.
نريد الخروج من إطار النظرة التقليدية التي سيطرت على تفكيرنا عن دور الحكومات. نحن نربط مستوى المعيشة والرفاه بالانفاق الحكومي، نتنازل عن المستويات التي نتطلع إليها في الصحة والتعليم والأمن.. وغيرها، اذا تراجع الدخل الحكومي.
ما الذي يمنعنا من تطوير كفاءاتنا وطريقة تفكيرنا لكي نحافظ على المستويات التي نرغبها عن طريق البحث في السبل والآليات التي تُحسن طرق وتشغيل وإدارة الخدمات والمنافع بأقل كلفة وأكثر فاعلية. ان تفعيل الناس ومؤسسات المجتمع المدني أحد الآليات التي تساعد على إعادة تأهيل ذهنياتنا وآلياتنا لتفعيل مؤسسات الحكومة، وهذا ما يتطلع إليه برنامج عمل الحكومة في السنوات القادمة.