في بداية الأسبوع الماضي، انتشرت في العاصمة الفرنسية إشاعات وتسريبات وصلت لبعض وسائل الإعلام، مفادها أن شخصيات على مستوى عال من المسؤولية في طريقهم إلى بيروت وربما دمشق. وعندما ظهرت الأسماء، وإذا بهم نائبان في مجلس النواب، ونائبان في مجلس الشيوخ. سارعت الخارجية الفرنسية -بعد أن تبين أن الموضوع يخص وفدا سيلتقي مع بشار الأسد- إلى نفي أي علاقة أو مسئولية عن هذه الزيارة.
كذلك أكدت الخارجية الفرنسية على التزامها بالموقف الرسمي للدولة، والذي يحظر على أي مسئول فرنسي الاتصال بالسلطات السورية منذ قطع العلاقات الدبلوماسية في العام 2012م.
بعد ذلك ومع تكشف أبعاد الزيارة، أعلن الرئيس هولاند ورئيس الوزراء فالس ادانتهما الصارمة لهذه الزيارة التي تمت مع قاتل لشعبه، وبهذه الصفة فهذه الزيارة تتعارض مع المثل الأخلاقية. جريدة اللموند الفرنسية الرزينة كتبت تقريراً مقتضباً بعنوان: المناطق الخفية لزيارة "خاصة" لدمشق، استعرضت فيه مواقف الحكومة الفرنسية والتصريحات التي أدلى بها بعض أعضاء الوفد، ومن بينها: قول النائب جاك ميار عن حزب التجمع من أجل حركة شعبية - حزب الرئيس السابق سركوزي- الذي قال (قابلنا الأسد هذا الصباح لمدة ساعة وكان حديثاً مباشراً وسأنقل الرسالة لمن يهمه الأمر وكما يجب). إلى من ستنقل رسائل الأسد في العاصمة الفرنسية، إذا عرفنا المسئوليات التي يتقلدها أعضاء الوفد "المغضوب عليهم" اليوم من قصر الرئاسة والخارجية الفرنسية؟
السياسة هي فن الممكن والإبقاء على كل الخيوط الرسمية والموازية ليس فقط مع الخصوم بل ومع الأعداء أو من ينوب عنهم، والفرنسيون من المؤسسين الأوائل لهذا العلم المتحرك.
صحيح أن فرنسا من أكثر الدول استبعاداً لبشار الأسد من أي حل للأزمة السورية، لكن ومع انتفاء الخطوط الحمراء لمواجهة مباشرة مع الأسد، إلا أن محصلة الجهد الأممي لا ترى غير الحل السياسي السلمي مخرجا، وفرنسا ليست سوى جزء من هذا الجهد.
ما قام به وفد البرلمانيين الفرنسيين ليس سوى استجابة لضغوط أوساط نافذة في الطبقة الفرنسية، التي ترى أن عواصم غربية أخرى لا تفعل سوى المزيد من الاتصالات "بجميع" أطراف الأزمة السورية.
في 13 فبراير، أي قبل زيارة الوفد الفرنسي بأسبوعين فقط، أعلن السيد ستيفان دي مستورا مندوب الأمم المتحدة من فيينا بأن (الرئيس الأسد هو جزء من الحل وسنستمر في إجراء مناقشات مهمة معه). بدوره أضاف مضيفه وزير الخارجية النمساوي سباستيان كورش: في المعركة ضد تنظيم داعش الإرهابي، قد يكون من الضروري القتال على نفس الجانب) يقصد دمشق.
وإذا أضفنا إلى ذلك، ما تتحدث عنه وسائل الإعلام الفرنسية من وجود ضغوط على الحكومة من أوساط الاستخبارات والأوساط الدبلوماسية؛ لإيجاد قنوات اتصال مع نظام الأسد (في مجال مكافحة الإرهاب) الذي نحن في حالة حرب معه، يكون ما قام به الوفد البرلماني الفرنسي في دمشق ثقبا في الجدار الذي أقامته فرنسا في العام 2012م، على حد تعبير جريدة اللموند.
وإذا كان الفرنسيون يعتقدون أن ما يقومون به من جهود معلنة أو مضمرة لا بد أن يلقى ترحيباً واعترافاً بالجميل، فإنهم مخطئون. كيف يقيّم نظام الأسد نتائج هذه الزيارة غير المعترف بها من الحكومة الفرنسية؟
تقول جريدة الوطن السورية ما يلي: (إن باريس عادت بحركة التفافية عبر نواب الشعب - أعضاء الوفد - لتطرق أبواب القصر الرئاسي في قاسيون وذلك بعد أن اكتوى الفرنسيون في عقر دارهم بنار إرهاب دعمه الإليزيه لسنوات في سوريا). هل يعني ما تقدم القول بأن فرنسا لا تفعل سوى ما تفعله كل دول الغرب تجاه دول وشعوب المنطقة؟ هذا ما تقوله داعش وأتباعها. إضعاف جهود المجتمع الدولي بناءً على ضعف أدائه لا يخدم لا دول ولا شعوب المنطقة.
محلل سياسي