عندما أنهيت قراءتي الأولى للنص تساءلت هل الشعر يتحدث عن المستعمر الأجنبي، أم إن القصيدة يمكن أن تناسب اليوم حال الأوطان العربية والإسلامية مع أبنائها اليوم؟
فهو يتحدث عن مفهوم الحرية عند المستعمر، ولكن الغريب انها تنطبق على كثير من الحكام في الوطن العربي، وما الثورات العربية في السنوات القليلة الماضية إلا دليلٌ واضحٌ على أن الإنسان الثائر من أجل كرامته وحريته لا يفرق بين سياسة المستعمر الأجنبي، والحاكم من أبناء البلد عندما يجور ويظلم ويسعى الى تكميم الأفواه . أعود الى النص الذي كتب في زمن كانت الدول العربية فيه تثأر لكرامتها وحريتها ضد المستعمر الأجنبي الذي يغتصب الأرض بكل ما فيها من حجر وبشر. وكانت العراق تعاني جور الاستعمار الانجليزي حينذاك.
يتحدث الشاعر بسخرية سوداء تبكي ولا تضحك وهو يوجه خطابه في النص الى الشعب المستعمر ويوجه لهم عدة نصائح بأسلوب ساخر فهو يحرم عليهم الكلام ويدعوهم الى النوم ليغفلوا عن حقهم المسلوب.
وعليهم ان يتجنبوا كل ما من شأنه أن يقربهم الى حقوقهم، مثل عدم بذل اي محاولة لفهم الأحداث
و التمسك بالجهل فالشر في العلم بأمور السياسة الاستعمارية لأن للسياسة أسرارا تشبه الطلاسم
ويحذرهم من التفاؤل وانتظار العدل وزوال الظلم، حتى يدعوهم في النهاية لتطبيق لا أسمع لا أرى لا أتكلم
فهذا يعينهم على الاستسلام للظلم الذي لا يستطيعون مقاومته، ويطالبهم بأن يستقبلوا الظلم بالضحك واللطم بالابتسام والإهانة بالشكر.
ثم يختم قصيدته بوصايا متتابعة تندرج تحت قاعدة الموافقة على كل ما يمليه عليهم المستعمر
مثل: اذا قيل لكم ان نهاركم ليل فأكدوا ذلك وقولوا انه ليل مظلم، حتى يصل في النهاية إلى قبول تقسيم بلادهم واعتبار ذلك منة تستحق الشكر والحمد وتبعث الطرب والسرور.
كانت مفرادت الشاعر فيها من البساطة والوضوح ما يجعلنا لانتوقف الا عند القليل منها وهي:
ثمادكم / فجمجموا/ تتجهموا، ولكن تلك البساطة اللغوية يقابلها عمق في المعنى جاء من ذلك الأسلوب الساخر الذي استخدمه الشاعر فكل لاءات الرفض التي استخدمها... لا تتكلموا، لا تستيقظوا، لا تتوسموا، وأفعال الأمر التي حثهم فيها على الاستسلام مثل تثبتوا في جهلكم، أما السياسة فاتركوا، دعوا السعادة، واذا أهنتم فاشكروا.
كل تلك المعاني هي خلاف ما يريده الشاعر حقاً فهو يريد لهم ان يرفضوا الظلم ويثوروا ولا يستسلموا، يريد منهم ان يرفضوا كل ذلك ويفعلوا عكسه تماماً حتى يستعيدوا كرامتهم وكرامة أوطانهم. وقبل أيام قلائل انتشر مقطع تسجيلي لقصيدة يعترف فيها الشاعر (أحمد النعيمي) بموقف أبناء العراق من عراقهم من تاريخهم من هزائمهم التي تتالت على أرض الوطن وامتزج فيها الدم بالتراب، والرغبة المستميتة بالثأر حتى صارت مميتة حقاً حقا وخلفت دماراً يتوشح بالهزائم النفسية التي تسببت في أحوال عراق اليوم وكأنهم يؤكدون ما طلبه الجواهري في يوم ما ضد المغتصب الأجنبي وهذا هو حال البلاد اليوم مع أبنائها!!.
عضو هيئة التدريس بجامعة الدمام