حدثتكم عن جازان قبلاً، وفي زيارتي الأولى لجازان رأيت كيف أنها تصحو من سبات، وتتهيأ لعهد جديد واقتصاد متنوع يقدم لجازان فرص عمل واستثمار، ويقدم لاقتصادنا الوطني أفقاً للنمو والاستقرار.
على مدى يومين انطلق منتدى جازان الاقتصادي، وقد خصص لتناول مدينة جازان الاقتصادية، وهي إحدى المدن الاقتصادية التي أطلقتها المملكة بغية حفز الاقتصاد على التنوع والنمو. لكن هذه المدينة، تعايش حالياً المحاولة الثانية للإنشاء استعداداً للانطلاق، وقد كُلفت أرامكو السعودية بتولي تطوير المرحلة الأولى من تلك المدينة في انطلاقتها الجديدة. ورصدت الدولة -يرعاها الله- ما يزيد عن سبعين مليار ريال لتنفيذ تلك المرحلة.
ولن أثقل عليكم بما تناوله المنتدى، لكني أكتفي بالقول إن ما يحدث في جازان يتجاوز بناء مدينة اقتصادية -رغم أهمية ذلك- بل هناك مشاريع في كافة الاتجاهات وفي شتى محافظاتها، من كهرباء وماء وطرق والاتصالات وبنية تحتية.
وبدون شك، فإن قيام المدينة الاقتصادية في جازان سيعزز قدرة نشاط الصناعة التحويلية في جازان على النمو، وسيساهم في توظيف موقع جازان لتربط بين قارتي آسيا وأفريقيا، وما سيعنيه ذلك من فرص تصدير وإعادة تصدير وتوفير خدمات المناولة والتوزيع، وفوق ذلك فإن الجانب الذي يمكن أن يطغى كذلك فيما لو أتيحت الفرصة، هو قطاع السياحة بالدرجة الأولى، يتبعه القطاع الزراعي. ولن يتحقق ذلك عفو الخاطر، لكن يتطلب جهداً مكثفاً وخطة استراتيجية، تماماً كالذي نشهده الآن لدفع القطاع الصناعي قدماً.
والزراعة في جازان تخرجك مما هو مألوف وسائد من حيازات صغيرة، إلى بقعة زراعية ممتدة تبلغ مساحتها نحو 2.088.608 دونمات، تزرع فيها محاصيل الخضار من طماطم وباذنجان وفلفل وخيار وشمام وبطيخ وقرع وبامية والخضروات الورقية كالملوخية والفجل والجرجير.
لكن للزراعة هناك جانب آخر بعيدٌ عن النخيل وتمورها إلى المحاصيل الغالية الثمن مثل المنجا والتين فهما يصدران لبقية مناطق المملكة وللخارج. إذ يبدو أن جازان تمثل فرصة لتحقيق ذلك، فمحاصيلها الزراعية استوائية، وقد أنتجت في العام الماضي (2013) نحو 27.800 طن من المانجو و3.000 طن من التين و1.500 طن من الجوافة و2.300 طن من الباباي و11.500 طن من الموز، إذاً نحن نتحدث عن واقع بوسعنا تطويره لمنتجات نستوردها بكثرة ونقبل عليها بحماس، وجازان بحاجة لاستراتيجية زراعية قابلة للتنفيذ، لكن أين "أرامكو" التي ستنفذها؟
وأكرر، إن موقع جازان الجغرافي يجعلها نقطة ملائمة لوصول الصادرات السعودية للمناطق المجاورة بما في ذلك أفريقيا عموماً والقرن الأفريقي على وجه الخصوص، كما أن الكثافة السكانية العالية نسبياً (1.6 مليون نسمة) توفر موارد بشرية للأنشطة الاقتصادية المستجدة، وخصوصاً في قطاع الصناعة التحويلية وما يرتبط بها من أنشطة خدمية للمصانع والعاملين فيها. والصناعة في جازان ما زالت في بداياتها الأولى، وفيها مدينة صناعية حديثة نسبياً، تستقطب استثمارات خاصة، كما أن في جازان مصنعا للصلب وآخر تابعا لشركة كريستال، وباستثمارات بمئات الملايين. ويمكن القول إن الانطلاقة الصناعية الرئيسية قادمة مع انطلاق المدينة الاقتصادية بجازان، بحاجة كذلك للتنسيق مع الأنشطة الأخرى بما يجعلها تواكب النهضة الصناعية، لتعززها وتقويها لتتحول إلى نهضة اقتصادية شاملة تحقق التنمية المتوازنة المنشودة.
* متخصص في المعلوماتية والإنتاج