نحن كمجتمع متنوع كبير حالنا حال المجتمعات الأخرى في العالم يوجد بيننا المذنب ويوجد بيننا من يخرق القانون ويتجاوزه ولا يردعه عن ذلك ضمير أو دين وخلق، كما يوجد بيننا الشرفاء والأسوياء والمخلصون، لا نختلف عن باقي خلق الله في هذه الوسيعة. إلا أن المختلف عندنا كمجتمع سعودي بشكل عام هو أن بعض الحيثيات الاجتماعية ما زالت تأخذ حيزاً في تعاملاتنا اليومية أو ردات فعلنا وعلاقاتنا مع الآخرين، ولذا فإننا وللأسف ومن دون قصد قد نساهم في تفاقم بعض الحالات المخالفة ونخلق لها الغطاء الاجتماعي الذي تستخدمه كساتر عبر تعاطفنا معها بشكل أو بآخر.
عندما يذنب شخص ما في قضية تتعلق بالحق الخاص مثلاً ويتم القبض عليه من قبل السلطات الأمنية المختصة، يسعى الكثير من عائلته وجماعته الأقربين في الغالب إلى استخلاص التنازل من الضحية أو من وليها الشرعي بدفع العوض أو غيره، بل يتعدى الأمر نطاق عائلته وأقاربه ليصل إلى الشخصيات الاجتماعية الوجيهة المعتبرة التي يحترمها المجتمع ويقدرها، والتي قد تتشفع للجاني بطلب من أهله وجماعته لاستحصال العفو والتنازل من الضحية أو صاحب الحق. لا شك أن العفو من السمات الأخلاقية الكريمة والسامية التي حث عليها الدين الإسلامي وشدد عليها وعلى بثها بين أبناء المجتمع الواحد، ولكن الله سبحانه في محكم كتابه الكريم قال: «فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ»، هنا ولست أدعي تفسير الآية أو شرحها، ولكن بفهمي البسيط لها أرى أن الله سبحانه وتعالى قرن العفو بالإصلاح، وهذا يعني أنه ولكي تتحقق الفائدة الكاملة من العفو فلا بد من العمل على إصلاح المذنب لضمان عدم رجوعه إلى ذنبه وجريمته التي نجا منها هذه المرة بسبب العفو، ولكي لا ينجر لما هو أكبر منها مستقبلاً.
العفو قد يكون سهلاً إذا اقتنع به صاحب الشأن، فبكلمة واحدة من الضحية أو وليها الشرعي ينتهي كل شيء، ولكن الإصلاح أمر معقد وصعب ويحتاج لجهات ومؤسسات وكوادر متخصصة وبرامج علمية محكمة، خصوصاً وأننا نعيش في عصر وزمن بالغ الصعوبة والتعقيد، ولأن الإصلاح ليس بالأمر الهين ومضمون النتائج ظهر في القانون مصطلح أرباب أو أصحاب السوابق، وهم المجرمون الذين تكررت جرائمهم بعد القبض عليهم ومقاضاتهم وإخضاعهم للعقوبة، والذين يضع القانون لهم عقوبات خاصة ومغلظة في حال تكرارهم للجريمة. وإذا كان صاحب السوابق يكرر جرائمه ذاتياً بدافع شخصي بحت نابع من سوء نفسه وشخصيته، فإنه قد يكررها ويتمادى فيها أيضاً بأسباب اخرى.
وعندما يتعاطف بعض الناس مع مذنبين ومجرمين لأي اعتبار كان فإنهم بذلك التعاطف يعطونهم الضوء الأخضر ضمنياً لاستمراء أفعالهم وجرائمهم، يجب أن يكون التعاطف مع المذنب تعاطفاً إيجابياً إذا أراد المجتمع صلاحه وهدايته، وقد تكون العقوبة المادية أو النفسية هي أحد أنواع هذا التعاطف في بعض الأحيان خصوصاً مع المجرمين الذين لا يرتجى منهم خير وصلاح، صحيح أن العقوبة مؤذية ومؤلمة ولكنها شر لا بد منه حالها حال العلاج الطبي المؤلم الذي ينقذ حياة المريض ومثلها مثل الدواء المر الذي لا بد من تناوله للشفاء من المرض.
وكما أن واجب الجهات الأمنية المحافظة على أمن الناس وحفظ حقوقهم من التعديات، يجب على المجتمع أن لا يتهاون مع المجرمين وأرباب السوابق وأن لا يجعل من نفسه غطاءً لهم تحت أي اعتبار كان.