لا أدري لماذا يقوم بعض الناس برمي الأرقام جزافاً، حتى ولو كانت الارقام بعيدة كل البعد عن الصواب، والمصيبة هي أن الكثير ممن يقرؤون الصحف يُسلمُون بصِحَة هذه الارقام!!
نشرت إحدى صحفنا الرصينة مقالاً، يتحدث عن حاجة المواطنيين للمساكن، وذكر الكاتب في عنوان المقال أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 26-30 عاماً يمثلون 70% من سكان المملكة، ولا أعلم من أين استقى معلوماته؟ فآخر إحصائية من مركز المعلومات الوطني لوزارة الداخلية قد أوضحت أن عدد الذكور والاناث لمن هم أقل من 30 عاماً يمثلون 67% من المواطنين، وأن عدد الذكور والاناث لمن هم أقل من 15 عاماً يمثلون 35% من المواطنين، ومن هذا يتضح أن الشريحة العمرية من 15 عاماً إلى 30 عاماً تمثل 32% من المواطنين، وعلى ذلك فإن الشريحة العمرية بين 26-30 عاماً لن تتجاوز 10% من عدد المواطنين بأي حال من الاحوال، لذلك فإن الفرق شاسع جداً بين 10% و بين ما نُشر 70%.
وعلى كل حال، نعود الى موضوعنا، فقد ذكرت في مقالي السابق طُول أعمار السعوديين، حيث تجاوزنا المعدل الاقليمي بـ 5.8 عام وتجاوزنا المعدل العالمي بـ 3.8 عام. وهذه الأرقام لن تُرضي المسئولين عن الصناديق التقاعدية لدينا، خصوصاً بعد سماعنا تحذير المحافظ السابق للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في أروقة مجلس الشورى من نفاذ كامل احتياطيات نظام التقاعد العسكري بعد سبع سنوات والمدني بعد نحو 23 سنة، واستمرار ارتفاع العجز الاكتواري وعدم تمكّن الأنظمة التقاعدية من الوفاء بالتزاماتها ليصل العجز الحقيقي في عام 1459 إلى 191 مليار ريال في النظامين المدني والعسكري.
أرقام ميزانية وزارة الصحة السعودية ارتفعت بصورة متنامية من 25 مليار ريال في عام 1429 إلى مايقارب 60 مليار ريال في ميزانية 1435/1436، ويُصرف 60% من هذه الميزانية على الرواتب والبدلات وما يقارب 32% على النفقات التشغيلية والبرامج العامة ويتبقى فقط ما يقارب 8% للمشاريع الانشائية والتطويرية، وهي نسبة– في نظري- متدنية جداً لا تفي بطموحات وزارة الصحة، حيث إن وزارة الصحة بحاجة الى المزيد من المشاريع الإنشائية، خصوصاً استحداث مراكز للرعاية الصحية الأولية، وبحاجة ماسة إلى برامج تطويرية للقائم من منشآتها وبرامجها الصحية.
الحجم الكبير 60% من ميزانية وزارة الصحة والذي تستأثر به الرواتب والبدلات والأجور، يستدعي من المخططين في وزارة الصحة، وقفة مراجعة جادة، وليس الغرض من المراجعة تخفيض الرواتب والبدلات بقدر ما هو زيادة فاعلية القوى العاملة بحيث تزداد كفاءتها وإنتاجيتها، لكي تخدم شريحة أكبر من المراجعين، وقد يستدعي الامر التخلّص من الترهل في بعض الإدارات وإعادة توزيع الفائض من القوى العاملة بعد تدريبها، وهذا قد يتطلب الاستعانة بجهات خارجية، تعيد هيكلة برامج الوزارة التدريبية وتكثيفها لتشمل جميع فئات العاملين.
وأنا على يقين، بأن العمل الذي يقوم به عشرة موظفين، سوف يتطلب ستة موظفين أو أقل، لو اعتنينا بالتدريب المكثّف على رأس العمل،
الشيء الآخر، هو أن تتحول جميع عقود العمل إلى عقود تشغيل غير دائمة لا يتم تجديدها إلا بعد التأكّد من أن الموظّف قد قام بواجباته الوظيفية على أكمل وجه، استناداً على معايير دولية متعارف عليها. أما الوضع الحالي، ففيه من الهدر الكثير.
وزارة الصحة تقوم بتقديم 60% من مجمل الخدمات الصحية بالمملكة تقريباً، و بالرغم من ذلك، إلا أن التوسع في تقديم الخدمات الصحية التي تقدمها الوزارة، يتطلّب زيادة تدريجية سنوية في عدد القوى العاملة، حيث وصل عدد إجمالي الوظائف في عام 1433هـ إلى 208،438 وظيفة، وكان هناك زيادة في مجال الصحة لكل 10،000 نسمة بين عامي 1427هـ و1433 هـ بزيادة 20% في الأطباء، 46% في أطباء الاسنان، 47% للصيادلة، 35% للكادر التمريضي و 38% للفئات الطبية المساعدة، وجميع هذه الفئات في تزايد مستمر سنوياً، وقد يأتي يوم (في ظل استمرار تدهور أسعار النفط) نجد فيه أن نفقات الباب الأول قد أتت على معظم ميزانية وزارة الصحة، ولم يتبق ما يكفي لتشغيل وصيانة مرافقنا الصحية. إن هذه الأرقام، تتطلب إعادة النظر في استراتيجية تمويل تكاليف الرعاية الصحية في المملكة.. وللحديث بقية.
* استشاري كلى ومتخصص في الإدارة الصحية