تحدثت في المقال السابق عن سبب ارتباط الاستدامة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات. فمع أن الشركات تقوم أساسا على مبدأ تعظيم الأرباح لملاكها في أي نشاط تعمل فيه، فإنه من الضروري أن يكون نموذج عمل أي شركة متوافقا مع البيئة المحيطة به، فأي نموذج تجاري أو صناعي أو خدمي يعمل على تحقيق الأرباح لملاكه، ولكنه يغفل البيئة المحيطة سينتهي عاجلا أم آجلا. فالنشاط قد يكون يعمل على تحقيق هدفه الرئيس بتحقيق الأرباح، ولكن مجرد العمل في هذا النشاط يؤدي إلى تدمير وانهيار البيئة المستضيفة. على سبيل المثال، يمكن أن تعتمد بعض المناجم والمحاجر على الطاقة البشرية المتوفرة حول الموقع، وكلما توفرت اليد العاملة ارتفع إنتاج النشاط، ولكن في عملية استخراج الموارد الطبيعية ما يؤثر على صحة السكان، فإن اليد العاملة لن تتمكن من الاستمرار بالتواجد حول النشاط الذي سيؤدي حتما إلى انهيار النشاط.
قد يكون المثال السابق هو الحالة الأكثر تطرفا في تأثير النشاط الاقتصادي لشركة ما على المجتمع، ولكن في الحقيقة فإن لأي نشاط مهما كان نوعه أو أهميته أو فائدته آثارا سلبية على البيئة المحيطة، ولذلك فإن ترسيخ مفهومي المسؤولية الاجتماعية والاستدامة وتوجيههما للتركيز على تخفيض الآثار السلبية أصبح ضرورة ملحة، فبدون هذه البرامج يتفشى النمو غير المتزن بين مختلف طبقات المجتمع.
توجيه المسؤولية الاجتماعية للشركات لتخفيض آثار النشاط السلبي ينبع من احتكار النشاط لنوع ما من الموارد، فحتى تتمكن شركات الكهرباء من توفير خدماتها فإنها تستخدم كميات كبيرة من المعادن والأراضي لإنشاء أبراج وتمديدات لوصل محطاتها بالمستهلك النهائي. وعلى الرغم من أهمية الخدمة التي توفرها شركات الكهرباء، إلا انها بدورها تحجب هذه الموارد عن المجتمع، فتصبح هذه الموارد محتكرة لملاك الشركة دون باقي المواطنين، ولذلك فإن على شركات الكهرباء أن تقوم بدورها في المسؤولية الاجتماعية تجاه المواطن بأن تكون من جنس الاحتكار الذي استنفعت به.
احتكار الشركات للموارد يمتد أيضا للشركات الخدمية أيضا، فهي في أعمالها تعتمد على خبرات مواردها البشرية، فالمصارف تعتمد على موظفين ذوي خبرة في مراجعة ومعالجة الأوضاع المالية للشركات والأفراد المقترضينن وهي بذلك تحتكر هؤلاء الموظفين فلا تتمكن جهات أخرى تحتاج إلى خبراتهم من استخدامها، مثل صناديق التنمية ودعم المشاريع الصغيرة، وبذلك يكون أفضل ما تقدمه المصارف كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية هو تخصيص عدد من ساعات موظفيها للجهات التي تحتاجها وليست التبرعات، فكل منا قادر على تقديم الصدقات، في حين أن ما تتميز به المصارف عن غيرها هي هذه الخبرات البشرية.