الجريمة بكل أنواعها هي ظاهرة خطيرة نتيجة سلوك إنسان خاطئ، فتلونت بكل الألوان، وتحلت بكل الأشكال، منها الجرائم النظيفة الراقية والجرائم البشعة القذرة ينفذها أصحاب القلوب الميتة، وأرقى أنواعها الجرائم عبر الفضاء. وقد أشارت إحصائيات أجنبية إلى أن تكلفة الجرائم الإلكترونية في المملكة بلغت 2.6 مليار دولار أمريكي، فيما بلغت نسبة الهجمات على الشركات السعودية %69. فبقدر ما كانت ثورة المعلومات نقلة حضارية في حياة الأمم، وصيحة جديدة في حياة الشعوب، وخطوة مهمة على طريق التقدم والرخاء، بقدر ما استغل تلك الثورة العظيمة أباطرة الجريمة والباحثون عن الثراء السريع في شكل مثير وغريب. وقد طالعتنا الأنباء في العديد من دول العالم بشباب في عمر الزهور يمتلكون قدرة خارقة على اقتحام الأرصدة في البنوك، وإجراء عمليات بيع وشراء عقارات أو منقولات ثمينة، والتسلل إلى حسابات العملاء وسلبهم ممتلكاتهم بضغطة زر. كما شاهدنا أساليب أخرى يتم من خلالها الحصول على تذاكر سفر وإقامة في أغلى فنادق العالم تتم بمنتهى الذكاء، وبشكل غير قانوني يفصح عنها أصحابها بعد إلقاء القبض عليهم، حيث إنها في بعض الأحيان لا تقتصر على سرقة الأرصدة، وإنما تتعداها إلى ابتزاز الغير وتهديد أمنه الاجتماعي، ومما هو جدير بالذكر وأُعلن عنه؛ يتعرض أكثر من 1.5 مليون ضحية يومياً للجرائم الإلكترونية على مستوى العالم من ابتزاز وسرقة معلومات وغيرها.
وللمشكلة وجهان متقابلان؛ الوجه الإيجابي مفاده أننا نملك عقولاً عربية خارقة يمكن استغلالها واستثمارها جيداً لنصل إلى ما وصل إليه الآخرون في الدول المتقدمة «المكتشفون والصناع والمبتكرون» لو أحسنا استغلالها، وأفضلها توظيف تلك العقول ودعمها مادياً لتصبح سلاحاً نحارب به مثل هذه الجرائم أولاً بدلا من أن ننتظر الحلول من العالم الخارجي لا ناقة لنا فيها ولا جملاً، والوجه السلبي هنا هذا النوع من الجرائم الراقية والتي تفرض علينا تأسيس لجنة وطنية لأمن المعلومات تكون مسؤولة عن حماية المعلومات في جميع القطاعات، ومهمتها الكشف عن الوسائل والمهارات التي من خلالها يصل المجرم إلى هدفه، وتكثيف احتياطات الأمن الإلكتروني، والعمل على وضع الكثير من الافتراضات وطرح كل السبل التي من خلالها ارتكبت تلك الجرائم لمواجهتها بشكل فعال وأسلوب علمي عملي.
فقد بات الأمن الالكتروني مطلباً ملحاً خصوصاً أن العالم يشهد تصاعداً في مستويات الجريمة الإلكترونية، كما لا بد من وضع التشريعات القانونية الملائمة للحد من تطور تلك الجرائم المستحدثة والغريبة عن المجتمعات، وتطوير لغة الخطاب القانوني لتتماشى مع معطيات العصر حتى لا يكون القانون نصوصاً جامدة بعيدة عن واقع الحياة.
أستاذ التنمية الاقتصادية بجامعة الدمام