ما الذي يسرق وعي الإنسان ويأسر ما لديه من طاقة ذهنية طاقة الشوق إلى المعرفة المتطورة ويقنعه بالاكتفاء البليد بما يقدم له من أوهام تدعي أنها حقائق؟ ما الذي يدفع الإنسان ضاحكا إلى أن يضع الحبل في عنقه ليقوده آخر إلى حيث يجعل منه سلما لأطماعه؟
أول ما يبدو من أسباب ذلك هو شل حرية المثقفين عن محاربة الأوهام البراقة التي تغري الشباب بسهولة بالانقياد لها لما فيها من تلبية لرغباته المكبوتة، ولأنها تفتح أمام أمانيه الضبابية افاقا من الوهم، والوهم من أشد الأمور إغراء.
أما ثاني الأسباب فهو التعليم ذو البعد الواحد والأحلام ذات البعد الواحد، فهما بصفتهما هذه يقولان وجها واحدا من وجوه الحقيقة ويطمسان الأجزاء الأخرى وهنا ينشأ المتعلم أو السامع متوهما أن ما تعلمه أو سمعه هو الحقيقة كلها ويظل مخدوعا بهذا الوهم ما لم تتداركه سعة المعرفة والخروج من السياج الذي وضع فيه.
ثالث الأسباب هو (العزلة) عن المجتمع، ان العزلة عن المجتمع تعني التحصن داخل خصوصية ماضوية تعني أن الفرد في صمم عن التعليم ذي الأبعاد المتعددة وعن الإعلام المتصف بهذه الصفة.. ان الشاب في التنشئة الغربية لا يعاني من الأمور المذكورة في السببين الأول والثاني ولكنه غير قادر على تجاوز ذاته.
لذا يقول الفيلسوف كانط في الإجابة عن السؤال ما هي الأنوار؟ ما يلي: ((إنها خروج الإنسان من قصوره الذي هو مسئول عنه، قصور عجزه عن استعمال عقله دون إشراف الغير.. قصور هو نفسه مسئول عنه لأن سببه يكمن ليس في عيب في العقل بل في الافتقار إلى القرار والشجاعة.. الخ))
في مقال لصاحب التحليل الثقافي السيد يس يجيب فيه عن السؤال: ما الذي يدفع الشباب من الغربيين إلى الهجرة للانضمام إلى داعش؟ يقول: ((مرد ذلك إلى سقوط الأديولوجيات التي كانت تجتذب الشباب سواء كانت رأسمالية او اشتراكية فقد الشباب بفشل هذه الأدلوجيات التي تمنحهم اليقين بصواب اختياراتهم.. الخ)).
هذه الإجابة تفتقر إلى التريث قليلا: فهل سقطت فعلا الرأسمالية والاشتراكية؟ وإذا كان سقوطهما واقعا فلماذا لم ينطبق هذا على سائر الشباب؟ ولماذا هو مختص بفئة عقائدية واحدة؟ ولماذا لم يشمل كل شباب هذه الفئة؟
ماذا ترجح أنت؟ هل ترجح مقولة أو تعليل الفيلسوف كانط أم تعليل السيد يس؟ لا شك عندي في أن الفيلسوف كانط قد أصاب كبد الحقيقة كما يقول القدماء.