كثير من الإعلاميين، وضيوف القنوات التلفزيونية الذين كانوا يتحدثون عن الملك المغفور له- بإذن الله- عبدالله بن عبدالعزيز أجمعوا على تميزه بكاريزما خاصة، وهي تعني ضمن ماتعنيه؛ وجود مواصفات خاصة تؤثر على الآخرين وتجعلهم يرتبطون به عاطفياً وهو ما تعارف عليه العامة بالقبول. وهذه الكلمة ذات أصل يوناني وتعني الهدية أو التفضيل الإلهي. وهي بالفعل كذلك؛ فهي نعمة إلهية يتفضل بها الله على بعض خلقه، وكان عبدالله بن عبدالعزيز أحدهم ولهذا لا نعجب من حب الناس له مهما اختلفت أعمارهم ومستوياتهم الفكرية.
فما هي أسباب ذلك؟ لا شك أن إعلانه- رحمة الله عليه- في كثير من المناسبات عن حبه للناس وتصريحه بذلك كان أحد أهم الأسباب التي جعلته يأسر القلوب، كما أن حبه للناس كان يظهر في مواقف كثيرة وطبيعية تكشف عن شخصية رجل عفوي شأنه شأن الآخرين رغم ما كان يتمتع به من هيبة الملك، وتلك المواقف كثيرة جداً كان منها: منظره حين قدم له البطاطس المقلي في المجمع التجاري بالخبر ولم يتردد في أخذه ولم يتظاهر بعدم رؤيته لمن مد يده له بكيس البطاطس بل أخذه وتذوقه وبدأ يوزع منه على من حوله بكل بساطة. والموقف الثاني ذلك الشعور الجميل الذي غمره واستسلم له تلقائياً وهو يتحين الفرصة ليمسك بالحمامة التي حطت بالقرب منه في إحدى المناسبات الرسمية. وأيضاً تعليقه الطريف بعد إصابته بالمرض حين قال: «يقولون إنه عرق النساء! النساء ما نشوف منهم إلا كل خير، لكن هذا عرق فاسد». وفي ذات المناسبة قال أيضاً كلمته الشهيرة «دام أنكم بخير أنا بخير» وهي عبارة تلقاها الشعب السعودي عامة بحفاوة بالغة؛ لأنهم استشعروا فيها الصدق والحنو البالغ، فكتبت حولها قصائد كثيرة واستخدموها في كثير من عباراتهم التي وجهت له فيما بعد.
تلك الروح الجميلة كانت تظهر في مواقف كثيرة بعضها من المواقف الرسمية جداً على مستوى العالم مثل قوله أثناء لقائه بالرئيس الأمريكي: «أشكر الاخوان الصحفيين (الله يكفينا من شرهم)» وهذا يؤكد ما كان يتمتع به من روح مرحة تطيب معها مجالسته. ومازال هناك كثير من تلك المواقف التي جعلت الأطفال الذين لايفقهون شيئاً عن أدواره السياسية الكبرى يحبونه ويبكون عليه وكذلك هو حال السيدات كبيرات السن التي انتشرت مقاطع مصورة وصوتية لهن وهن يبكينه بحب صادق؛ فقد كان- رحمه الله- قريباً من الجميع من يقيم ويعي دوره السياسي على مستوى العالم ومن لا يدرك ذلك، وهذا فقط لأن الله منحه ذلك القبول في قلوبنا جميعاً.
أما لماذا نتفاءل بخادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز؟ فلأننا ندرك أن البلاد ومن عليها اليوم في عهدة رجل يتميز بالحنكة السياسية التي تتلمذ فيها منذ صغره على يدي والده المؤسس وإخوته الذين كان قريباً منهم في دائرة العمل السياسي الداخلي والخارجي. رجل فتح مجالسه للعلماء والمثقفين والكتاب والإعلاميين يسمع من هذا ويرد على ذاك. رجل يدرك قيمة الكلمة الصحفية وتأثيرها وكان يشارك برأيه على صفحات الصحف كأي مواطن «عادي» حين يتطلب الأمر ذلك ليوصل رأيه للآخرين بعيداً عن خصوصية المجالس. قال عنه جهاد الخازن الذي يعرفه عن قرب في مقاله يوم أمس: (لو لم يكن سلمان ولد في بيت حكم لكان صحفياً أو صاحب دار نشر) وهذه العبارة توجز صفات كثيرة عن مستوى الوعي والتقدير لأثر الكلمة في العقول والمجتمعات بلا إفراط ولا تفريط فهو رجل متفتح وواع ووسطي في تعامله مع الأحداث والمواقف ومحافظ في الوقت نفسه على الثوابت والأصول ولا يخلط ذاك بهذا ويعطي كلاً منهما حقه. رحم الله من رحل وأعان بقوته من حمل الراية من بعده. اللهم أعنه بعونك، وأيده بقوتك واحفظ بلادنا من كل شر وصب الخير له ومنه صباً صبا. * عضو هيئة التدريس بجامعة الدمام