إنها القصة ثم القصة التي يجب أن تروى عن أرامكو، حاضرة البلد وشاغلة الناس!
وفي مساحة قليلة، مَاذَا يقال عن شركة عملاقة مثل أرامكو، بتاريخها وحيوية مشاريعها، ورؤيتها الوطنية بعيدة المدى لتطوير مواردها البشرية، وأيضا قدرتها على التطور المستمر مع صناعة النفط المعقدة، هذا التطور هو الذي جعل المملكة تحافظ على مستوى مخزونها النفطي نتيجة للاكتشافات المستمرة التي تحققها أرامكو.
بدعوة كريمة من الأخ العزيز خالد الفالح والذي كان كريما في وقته هو وزملائه القياديين الذين لا يشرفون أرامكو، بل يشرفوننا كبلد، تشرفت بزيارة استكشاف وتعلم لمقر أرامكو.. وفي كل مرة أزور مرفقا لهذه الشركة العملاقة احدث نفسي قائلا: عرفت شيئا وغابت عنك أشياء!
والغياب عن الإحاطة بعالم أرامكو يتحمله صاحبه، وهنا لا يجوز القول إن أرامكو (مقصرة) في التعريف بما لديها. من ينهمك بالعمل ليحقق أهدافه ليس من واجبه أن يقف على رؤوس الأشهاد ليقول: انظروا ماذا أفعل!
ولكن قد تلام أرامكو عندما لا تسعى لنقل تجاربها الناجحة التي بذل فيها العاملون جهدهم وأرواحهم وتحملوا مخاطر العمل في بيئات قاسية، وصرفت عليها الأموال واختبرتها، وهي تجارب نحتاج التعلم منها، مثل برنامج اعداد القادة، وبرنامج السلامة، وغيرها من عشرات البرامج، أو نلومها عندما لا نعرف (المنجزات الاستثنائية) التي تحققها حتى تحيي فينا الأمل، الأمل بشبابنا وبناتنا، وبقيادات مؤسساتنا وشركاتنا ومصانعنا، بالذات في هذا الزمن الذي يزرع فيه إعلامنا الاحباط لدى الناس، أو (يعيرهم) بالانجازات التي حولهم!!
لن آخذكم إلى مشاريعها السابقة العديدة، فهذه قصة تطول، اريد اضاءة بسيطة على مشروعين، أحدهما يختص بتنمية الموارد البشرية، والآخر أحد مشاريعها العملاقة الذي يعد إنجازا هندسيا متميزا، انه مشروع حقل منيفة. عندما أرادت أرامكو التنقيب في مياهنا وجدت بيئة حقل منيفة المائية ضحلة، لا تنفع معها حفارات اليابسة ولا حفارات البحار. وكان التحدي الكبير والقرار الجريء. بناء جزر لتقوم عليها الحفارات.
ونجحت الفكرة وتم بناء 25 جزيرة، مساحة كل واحدة تعادل مساحة ثلاثة ملاعب كرة قدم، تربطها جسور بحرية بطول (42) كيلو مترا، وأثمر المشروع انتاج ما يقارب 600 ألف برميل، والمستهدف يقارب المليون. انه مشروع هندسي عملاق عزز تجربة الشركة في صناعة النفط، وطور خبرة علمية جديدة للمئات من أبنائنا المهندسين والفنيين والاداريين. لقد حولت أرامكو التحدي في حقل منيفة إلى فرصة وطنية كبرى. من يعرف عن هذا الإنجاز؟!
ثمة مشروع جميل داخل هذه الشركة العملاقة، مشروع يجعلنا نطمئن على أن أرامكو سوف تبقى محافظة على كفاءتها التشغيلية، وهذا يجعلنا نطمئن على أن ثروتنا الوطنية بأيد وطنية أمينة.
المشروع هو اعداد القيادات لمستقبل الشركة أو خطة التحول والتعاقب في المواقع القيادية، فطبيعي أن تكون شركة عملاقة مثل أرامكو مستعدة لوضع القيادات في المواقع التي تحتاجها، وهذا يتم عبر (رؤية قيادية) تحولت إلى برنامج ينفذ بكفاءة واحترافية، تستهدف مخرجاته توليد القيادات بموضوعية تؤمن أن (الكفاءة) هي المعيار الأول لاختيار القيادات، وهذا مؤشر على سلامة القيادة والإدارة في أرامكو.
من آلاف الشباب.. يتم اختيار القيادات عبر برنامج علمي يُخضِع الشباب لبرامج تدريب وتأهيل متخصص لبناء المهارات الضرورية للقائد لتساند المقومات الشخصية الكاريزمية. هذا يستجيب للمنهج الحديث لإعداد القيادات، ففي المرحلة الحالية وفي المنظمات العملاقة يواجه القادة بيئة معقدة، والقادة يحتاجون البرامج المستمرة لرفع مهاراتهم باستمرار.
في الدول المتقدمة، في العقدين الماضيين، انكسر الحاجز النفسي الثقافي الذي كان يحد من اقبال القيادات في الشركات الكبرى على برامج التدريب والتأهيل، فأصبح الرؤساء التنفيذيون ينخرطون في برامج تدريب سنوية. حتى رؤساء مجالس الادارات وأعضاؤها يتدربون باستمرار لرفع مهاراتهم لإدارة المجالس والمشاركة فيها، وأرامكو لديها برنامج متخصص دائم لإخضاع مجالس ادارات شركاتها للتدريب حتى ترفع مهاراتهم.
ثمة برامج ومشاريع عديدة تجري في عالم أرامكو، والزائر يحتاج فترة طويلة ليكتشف هذا العالم، ولعلنا في (جريدة اليوم) نتمكن عبر مشروع مستدام من نقل ولو جزءا يسيرا من الحراك والعمل الذي ينجزه أبناؤنا في أرامكو، فهناك تجربة متميزة للوحدة الوطنية، وهذه قصة أخرى يجب أن تروى.