نحن بأمس الحاجة في هذا الوقت لوضع خطط لاكتشاف العقلاء وصناعتهم وتصديرهم، وهي تحتاج لمشاركة جماعية وصبر طويل.
فالواضح أننا نعاني من أزمات خطيرة تنبئ بانقراض عقلائنا أو تواجدهم جسداً وضعفهم أثراً، ولذلك ما الفائدة؟! لقد وصل الحال ببعض العقلاء إلى التوحد والإصابة بالأمراض النفسية، بل إن بعضهم انساق مع موجة السفه، فإذا كان الكل –برأيه- قد شرب من النهر المسموم، فلماذا لا يشرب منه هو ويريح عقله بتسميمه ومن ثم توديعه؟!
خصوصاً أن معظم الوسائل اليوم تقدم السفهاء وتحتفي بما يصدر منهم وتعرض إعراضاً شبه كامل عن العقل والعقلاء!
جزء من المشكلة يتحمله هؤلاء العقلاء بنفسهم القصير وعدم قدرتهم على التحمل وضعف الدور الرسالي لديهم، فما إن يتعرضوا لكلمة أو كلمتين من سفيه أو سفيهة حتى يتراجعوا ويقعدوا ويبدأوا بعيب الزمان! بينما لو نظروا للتاريخ وعلى ذروة سنامه الأنبياء والرسل، لعلموا قدر المعاناة التي عانوها والصبر الذي صبروه، وبالأخير كانت الغلبة في النهاية لهم ولطرحهم الذي رقى بالبشرية.
الجزء الآخر يتحمله تعاطينا الإعلامي مع قضايانا، فالإثارة مطلوبة ولكنها ليست كل شيء، يجب أن تعطى الإثارة وجذب القراء والمشاهدين حجمها، وهو الأصغر، أما الجزء الأكبر فيجب أن يكون للبناء والرقي، وهذا ما لا يتقنه إلا العقلاء!
والجزء الثالث نتحمله نحن بموازيننا المقلوبة، فتقديرنا لكل سفيه حتى ولو بمجرد تدوير قوله والدعاية له، وإعراضنا عن الطرح العقلاني بل وجرأتنا على أصحابه واتهامنا لهم بأنهم متخلفون وأن الزمن تجاوزهم، نتيجته المباشرة تحطيم العقلاء ورفع شأن السفهاء!
سيطرة الطرح السفيه ليست أمراً سهلاً كما يتصور البعض وأنها موجة ستنتهي، فقد أدى ويؤدي إلى سفك الدماء كما هو مشاهد، والعبث بالمقدسات، والإشغال عن الأهداف الكبرى، فنظل ندور في مكاننا سنين طويلة والعالم يتفرج ويضحك.
ولو كانت الأبواب مغلقة والأمور مستحيلة كما يسوّق بعض المتشائمين لما تكلم وطالب أحد، ولكن لا يزال هناك أمل وأمل كبير، ولا يزال للعقلاء أثرهم، وكل ما عليهم أن يثبتوا ويطوروا قدراتهم ويزاحموا ويسعوا لتوسيع دائرة تأثيرهم، فالصمت لن يحل المشكلة بل سيخنقهم كما خنق غيرهم!