بقدر ما تستفزني تصرفات بعض الطالبات في التعامل المباشر معهن في غير الدرس أو في موضوعات متصلة بهذه العلاقة، بقدر ما أشفق عليهن من عدم نضج شخصياتهن بالقدر الذي يتناسب مع أعمارهن على الأقل أو مستواهن التعليمي.. أما لماذا تستفزني بعضهن في القول أو التصرف فذلك لأنهن- وبخاصة في السنة التحضيرية- يحسبن أن قوة الشخصية هي في أن تعلن عن اعتراضها بلسان سليط وأحيانا وقح أو بتصرفات مماثلة أثناء تعبيرها بالعلامات الجسدية التي تبديها حين تظن أنها تهين من يتعامل معها فتسلط عليه نظرات ذات ايحاء ما أو تنتفض بجسدها بحركات سريعة تنم عن غضب أو حين تصفق بالباب. كل هذا نراه وأكثر! في حين أننا نرى شخصية ضائعة لا تستطيع أن تنطق بجملة مكتملة وواضحة إذا كان الأمر يتعلق باستيعاب ما تتعلمه فبمجرد القاء سؤال ما يخيم على القاعة صمت مطبق ونظرات حائرة مستجدية وخائفة وكأن أي سؤال يطرح هو امتحان يربكها فقد تنجح فيه أو ترسب! وإذا حدث وطلب منها التعبير عن أمر ما ستسمع صوتا منخفضا وكلمات مبهمة وخلال دقائق معدودة فيما بعد يمكن أن تسمع صوتها مجلجلا بالحق والباطل خارج حدود القاعة!!
خصصت لطالباتي رقما خاصا أتواصل معهن به من خلال (الواتس اب) كإضافة طبعا لوسائل الاتصال الأخرى وبعيدا عن حصر الساعات المكتبية.. هذا البرنامج كشف لنا أسرارا اجتماعية كثيرة ما كنا لنعرفها بدونه.. فنحن دائما نجد أنفسنا فجأة ضمن مجموعات هاتفية ثقافية تفيدنا، ولكن وقتنا يقصر عن متابعتها فنعتذر وننسحب، وهناك مجموعات لا تدري لماذا ضموك إليها فتغادر المجموعة سريعا، وهناك مجموعات مرتبطة بالعمل وهي مفيدة عند الحاجة ومن يغادرها دون سبب وجيه كأنه يرسل رسالة اعتراض على كل ما يدور أو على الاشخاص فيها، وهناك مجموعات تحذف منها لأن مديرها يرى أنك تزعجه شخصيا أو تتسبب بالازعاج للمجموعة بطريقة ما.. ولكن الغريب أن تغادر المجموعة طالبة هي بحاجة للتواصل مع زميلاتها ومع أستاذتها!! خذوا هذا المثال: (أبي أفهم الدكتورة ليه مسوية قروب؟؟؟ وليه ما ترد!!! وفوق هذا مو قايلة ايش الدروس) هذا هو نص رسالة كتبتها إحدى الطالبات في مجموعة لإحدى المواد وضعتها لكم كما هي دون تعديل حتى في علامات الترقيم.. ولكن الأهم أن هذه الطالبة ممن لا يسمع لهن صوت في المحاضرة ولكنها هنا وبعيدا عن المواجهة وضعت كل اعتراضاتها الغاضبة وخرجت!! ولم تنتظر حتى قراءة توضيح زميلاتها لها بأن كل ما تريده موجود في اعلان لها ولغيرها على نظام التواصل الجامعي الرسمي مع الطالبات. وكان هناك غيرها ممن اعترضن واعترضن وهن لم يكلفن أنفسهن عناء الاطلاع على المعلومات أو حتى لم يلتفتن لها حين قلتها أثناء المحاضرة!! أحسب أني بذلك العرض المفصل لحدث ما.. أوصلتكم إلى ما أريد قوله حول مفهوم قوة الشخصية الشائع بين كثير من شبابنا إناثهم وذكورهم وهو الأمر الذي نراه في كل مكان في الحياة العامة وفي مواقع التواصل الاجتماعي هذا الأمر له أسباب كثيرة وترتبت عليه نتائج سلبية كثيرة أيضا. أحسب أن العنف الذي نراه في المدارس والجامعات والشوارع هو أحدها. فالشخص الضعيف هو في الحقيقة خائف أيضا؛ ولهذا يبادر إلى العنف اللفظي والجسدي. أما صاحب الشخصية القوية.. فهو قوي في أعماقه قادر على توجيهها أو التأثير بها على غيره وكثيرا ما تكون مرتبطة باللطف والوضوح الذي يعلن عن القوة بشكل سليم. إن الوصف الذي وصف به سيدنا موسى على لسان الفتاة التي أعانها كان بالقوة (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) من موقف بسيط جدا رأت فيه أن هذا الشاب يتميز بالقوة والأمانة لقد كان واضحا فتقدم منهما بثقة وتساءل عن حالهما وعرض العون ثم قام بالمهمة على أكمل وجه ومضى. لم يصرخ لم ينهرهما ولم يتجاهلهما. ولو حدث بيننا الموقف اليوم فسنجد عجبا سيكون الخوف واحدا من أهم أسبابه. وقد تعلمنا كثيرا ممن كان (خلقه القرآن) صلوات الله وسلامه عليه وفي القرآن تفصيل واجمال وخصوصية وعمومية في كل ما يتعلق بالضعف أو القوة الشخصية ولكننا نعرض عنها أو لا نعطيها حقها في التأمل.. ولم يسمعها الشباب ولم يفطنوا إليها في كثير من الخطب والمواعظ ووسائل التوجيه بهدف الأخذ بأيديهم إلى فهم النفس ومعالجة أحوالها. فجاء فهمهم لها قاصرا بل وربما منحرفا مرتبطا بنماذج سيئة تعرضها لهم القنوات التلفزيونية.