التشكيل الوزاري الجديد عادة ما يجدد الآمال والتطلعات والطموحات، ويعيد إلى الذاكرة كل المشاريع التي لم يكتب لها التحقق واقعا على يد الحقيبة الوزارية تلك أو ذيك، لذا دائما ما يكون تجديد الدماء في وزارات الدولة تجديد لقائمة طويلة من المشروعات والأفكار، خاصة إذا ما انقضت فترة وزارية ولم يكن قد تحقق خلالها الحد الأدنى من الأهداف، وهذه الرؤية في الواقع لا تخص وزارة بعينها إنما هي رؤية عامة تنطبق على الحقائب الوزارية بعمومها.
في حالة تعاطينا بشكل خاص جدا مع حقيبة وزارة الثقافة والإعلام والتي تسلمها وزير جديد عوضا عن الوزير السابق عبدالعزيز خوجة الذي نرفع له الشكر والتقدير لجهوده وعطاءاته التي بذلها في هذا الحقل الحيوي من حقول مجتمعنا، فالشكر واجب لكل مسؤول قدم وبذل واجتهد، وهذا هو ديدن هذه الكراسي القابلة للتغيير والتجديد، فالوزير خوجة عمل وفق رؤية وتصور ومنهج تبناه، ووضع وفقه آلية عمل هذه الوزارة خلال فترته، كما سيتبنى الوزير الجديد منهجية تخصه أيضا، وهي مسألة دقيقة تستحضر منهجية الاستراتيجيات في وزاراتنا والتي يفترض العمل بها وفق خطط الدولة الخمسية، بحيث لا يكون اجتهاد الوزراء في بعض الوزارات سابقا على الخطط الثابتة.
لنأخذ على سبيل المثال حقيبة وزارة الثقافة والإعلام وننظر في الملفات الكبيرة التي تنتظر رُبَّانها الجديد وسنلحظ تشعبها وتنوعها وحساسية بعضها أيضا، وسوف نتوقف فقط عند تنظيم العمل الثقافي وأخذه إلى آفاق أوسع وأوقع وأسرع، متحدثين عن طموحات عريضة يحملها المثقف السعودي لتفعيل دوره وتأكيد حضوره المجتمعي وهو بند رئيسي في أهداف هذه الوزارة تحديدا، بمعنى أننا نتحدث عن رؤية شمولية تمس هذا الدور وتفعيله، عبر خطة استراتيجية لا تنظر إلى القريب بقدر توخيها المستقبل بكل تجلياته، ونحسب أن وضع هذه الاستراتيجية على رأس قائمة الوزارة كفيل بتحقيق الرؤى والمنجز!
أيضا من المهم للغاية وقوف الوزير على المشهد الثقافي بتجلياته المختلفة، وهذه مسألة دقيقة يلزمها آليات متنوعة بحيث تجعل الوزير على اطلاع تام على السياقات الثقافية وأبرز مشكلاتها وسماتها وملامحها، كأن يتم الاستعانة ببعض المثقفين الثقاة، الذين لا يقدمون مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن وثقافته، وهم كثر إذا ما تم البحث عنهم بعيدا عن المجاملات والمحسوبيات، وحقيقة الأمر تقول إن مشهدنا الثقافي السعودي رغم عطاءاته الكبير ليس بعافية تامة، وهو يمر بأزمات وصراعات تتطلب رؤية عميقة لتوجيهه الوجهة الصحيحة، كما أنه بحاجة ماسة لبعض التوازنات والأطر المستحدثة لضخ الدماء فيه وفي توجهاته.
الأمر الآخر الذي يجب النظر فيه وترتيب ملمحه العام المؤسسات الثقافية المحلية التي ترهل بعضها وتقشف بعضها وحاد عن الطريق بعضها الآخر، وفي رأيي يعتبر تأهيل هذه المؤسسات وترتيب أولوياتها خطوة على الطريق الصحيح لمشهد ثقافي متعافٍ نأمله ونسعى إلى تحقيقه على أرض الواقع، لقد اختلطت الأوراق وتداخلت التخصصات في مؤسسات الثقافة المحلية، حتى ان بعضها بدأ يفقد هويته فلا تعلم هل هذه المؤسسة الثقافية أنشئت للإصلاح الاجتماعي أم لأهداف تربوية أم أدبية، وتلك المؤسسة لم تعد تفهم توجهها هل هو لدعم الفنون وصقل المواهب أم لأغراض أخرى لا نفهمها ولا ندرك فحواها، وهذا حقيقي وملموس، تسبب فيه الافتقار إلى الاسترتيجيات والخطط المدروسة وتصدر الاجتهادات الشخصية المشهد دون وعي بالدور المنوط بهذه المؤسسة الثقافية أو تلك.