لا تكاد تنقطع الأخبار عن الحوادث المروعة التي تحدث للمعلمات في الطرقات، سواء داخل المدن أو خارجها. ولقد كنا في السابق نسمع عنها بين الحين والآخر عبر الصحف، وأما الآن فلا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عنها على اختلاف درجاتها.
والمفجع في الأمر، أن هذه الحوادث ينتج عنها الكثير من الوفيات والإعاقات بدون توقف، وبشكل يدمى له القلب ولا يرضاه الضمير ولا العقل.
ولو أجرينا بحثا بسيطا في الإنترنت؛ لذهلنا من عدد تلك الأخبار المنتشرة في الصحف والجرائد. ولذهلنا أيضا من ارتفاع نسب الأرقام والإحصائيات التي تتناول هذا الجانب بشكل متتابع، بل إن بعضا من الوسائل الإعلامية خصصت زاوية تتحدث فقط عن حوادث المعلمات!.
إضافة إلى الأرقام والإحصائيات، نحن نسمع آلامهن وصرخاتهن النفسية والعضوية عبر مختلف وسائل الإعلام، فما الذي قدمناه لهن حتى الآن؟!. وكلنا نعلم يقينا أنهن يقمن بعملهن من أجل العلم والمعرفة، وليس من أجل المال؛ لأن الرواتب لم تصل بعد إلى الحد المعقول والمغري لتجشم وتكبد المعاناة!.
والمشكلة تتجاوز معاناتهن كأفراد، لتشمل أسرا كاملة، حيث إن دور المعلمة يتعدى التعليم ليشمل جوانب مهمة في حياة الأسرة، كونهن أمهات وأخوات وبنات لنا.
ولقد تسببت تلك الحوادث في جعل الأطفال محرومين من حنان الأمومة، وجعلت آباء وأمهات يفقدون بناتهم. إن أبسط ما يقدم لهن من الحقوق هو توفير حلول بيئة آمنة للعمل وذلك يشمل المواصلات، التي هي شريان أساسي وحيوي للعمل.
الحلول لمشكلة الحوادث لا بد أن تكون جذرية وعلمية، وليست فعلا ورد فعل! لأن ما بذل من خسائر نفسية وعضوية وبشرية يحتم علينا السرعة في جدولة الحل لهذه المشكلة؛ حتى لا تتفاقم أكثر مما هي عليه.
ولعلي أشارك هنا ببعض من الاقتراحات؛ لتوقظ قلوب وعقول؛ حتى تتحرك لحل هذه الأزمة النازفة لدماء المعلمات على الطرقات.
منها توفير باصات خاصة للمعلمات، أسوة بالطالبات. وإن كان ولا بد وتعذرنا بالتكلفة! فربما تفرض أجور رمزية شهرية لتغطية تكاليف الصيانة والتشغيل. والحل الآخر هو الاستعانة بشركة متخصصة للنقل ذات كفاءة ومسؤولية، ويمكن أن تكون على نمط شركة مساهمة، وسوف يعود ذلك بالنفع على كل من القطاعين العام والخاص.
منها توفير قطارات بين المدن، ومترو، وترام لداخل المدن. وهذه المسألة سوف تحل ليس فقط مشكلة النقل للمعلمات، بل سوف تتعدى إلى تخفيف نسب حوادث المركبات، وكذلك تخفيف الزحام خصوصا في أوقات الذروة. وأيضا التخفيف من الانبعاثات الغازية؛ لحماية البيئة من التلوث. وفي الوقت الراهن يمكن الدراسة والاستفادة كتجربة من سكة القطار الدمام، أبقيق، الأحساء، الرياض، وذلك عن طريق تسيير رحلات خاصة، وتعديل الأوقات لتناسب أوقات الدوام الرسمية أو تسيير رحلات إضافية.
منها توزيع المعلمات حسب مناطق سكنهن الأقرب فالأقرب بالعدل والمساواة، وذلك عن طريق نظام آلي مبرمج؛ لتفادي إشكاليات المحسوبية!.
منها بناء مساكن للمعلمات قريبة من أعمالهن ومدارسهن للمناطق البعيدة. ويكمن لهذا الحل أن يتحول إلى مشروع تملك للشقة أو البيوت باقتطاع جزء من الراتب. وفي ذلك تنشيط للاقتصاد في المناطق النائية والهجر والقرى، والتقليل من الهجرة إلى المدن. وربما تكون هذه الفكرة تساعد على الهجرة العكسية (من المدن إلى القرى والهجر).
إضافة إلى ما ذكرنا، هناك أكيد حلول كثيرة أخرى، ولن نعجز عنها إذا كان هناك مبادرة واهتمام، بل يمكن الاستفادة من مركز بحثي في إحدى جامعاتنا مع التعاون بالمكاتب الاستشارية؛ ليقوم بالدراسة الميدانية وجمع الإحصائيات والبيانات، ثم يقدم حلولا عملية للمشكلة مع جدوى اقتصادية، ولكن الأهم هو التطبيق لحماية الأنفس البشرية التي تنزف أمام أعيننا كل يوم وليلة.