تعود قضية أزمة المعيشة للمواطن من جديد في دورات متتالية وتزداد الصعوبة أمام قفزات ارتفاع الأسعار المجنونة التي تخطط لاستهلاك أكبر هامش ربحي لها على حساب مصروف المواطن وليس كل ذلك هو ضمن الارتفاع الطبيعي للأسعار، ومع التأكيد على الاستحقاق الضروري لرفع الراتب وحده الأدنى الذي تتناوله المؤسسات الرسمية اليوم، وضرورة عدم تأخره، إلّا أننا في حاجة لخطة وطنية مؤسسة ومنظمة لتحقيق توازن معيشي لمصلحة الفرد، تدرس عوامل استهلاك دخله كلما يزيد من قبل القوى الاقطاعية ورأس المال الجشع، وتعيد تأسيس مسارات جديدة يلجأ لها المواطن للحصول على أكبر قدر من المعيشيات في الطعام والملبس وغيرها في حدود أسعار معقولة.
فهل هذا ممكن؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا المقال مؤكدين على أن هذا الطرح نراعي فيه قدرات الوضع العام والبيروقراطية وصور الفساد التي تحاصرنا، ولكن مثل هذه الخطط بالإمكان أن تعبر إذا تيسرت لها الظروف الملائمة , إن الفكرة الأساسية في هذا المقال هي تهيئة الظرف الاقتصادي والاجتماعي لقيام سوق بديل للمواطن يلجأ اليه ويكسر حدة التغول التي تحاصره من مصادر المعيشة مؤكدين على عدة حقائق.
الأول أن مسار السوق البديل موجود في أكثر من نظام سياسي واقتصادي في العالم بصور مختلفة، وليس صورته النموذج الاشتراكي الذي يؤمم الفرد وسلعته كما يعتقد البعض، الثاني أن الفكر الاقتصادي وحريات الفرد والسوق الحر في الفكر الإسلامي يختلف عن سياق النظرية الرأسمالية والاشتراكية لكنه يستفيد منهما بتوازن دقيق وهذا التوازن مهم ومفيد بغض النظر عن أية دولة تطبقه بما فيها الدول التي لا تنتمي للعالم الإسلامي فما بالك بوطننا العزيز.
ومن هنا تتجسد نماذج التحرر من إلزامية المواطن بالسوق الحر المملوك لرأس مال قاس وتتاح له كمستهلك أو فرد يتاجر في فضاء هذا السوق، إننا نلاحظ انه كلما زاد الدخل التهمت خطة التجّار هذه الإضافة التي في الأصل كان يحتاجها المواطن وليست زائدة على دخله، فيتحوّل الأمر الى معاناة جديدة للمواطن المضغوط والمرهق بأقساط البنوك.
فماذا لو وجد المواطن بديلا للتسوق في مسار مستقل عبر شركات تموين حكومية ومنظمة ومرتبة ادارتها بصورة جديدة ضمن الابداع الإداري والكفاءة التي نراها في كثير من الشباب فتتيح لهم فرصة خدمة وطنهم في مثل هذه الشركات، هذا السوق يحقق كثيرا من الاحتياجات الأساسية بأرباح معقولة وتفتح له فروع في كل المدن وفروع صغيرة للبلدات الأصغر وللدولة حصة سيادية لتحقيق اكتفاء للمواطن في بضائع أساسية مع بقاء ذلك السوق الضخم لمن يرتاده خاصة في بلد متحرك ومستهلك كالمملكة فلن يخسر الاقتصاد الاحتكاري التجاري، لكن قد يضطر لضبط أسعاره وتخفيض أرباحه المجنونة وخاصة في السلع الرئيسية وهذا مطلب بحد ذاته.
وأمام مشروع الشركة الوطنية للتموين والاستهلاك، تبدأ وزارة الشؤون الاجتماعية بتفعيل ثقافة الجمعيات التعاونية التي تُنفذ في الأحياء والبلدات كما جرى في التجربة الكويتية، وتزيل كل العوائق القانونية أمام توسعها وتسندها في استقلالها عن توحش السوق الرأسمالي المحلي، وتتوسع خياراتها ومساراتها الخدمية من البضائع المتنوعة وحاجات النظافة الشخصية والأطفال إلى الخدمات الأخرى كمحلات الحلاقة وغيرها.
في حين تُعنى شركة -أمان- وهي الشركة الوطنية لخدمات الصيانة (كشركتين مقترحتين تؤسسان ضمن الإطار الذي ذكرناه في صدر المقال) في فتح فروع خدمية لصيانة الأجهزة وخدمات الصيانة الخفيفة للسيارات، ولكم أن تتصورا الحصيلة حين يفتح باب التوظيف والإبداع للشباب من قبل الدولة ويكون تقييمه ضمن نجاحه في تطوير الخدمة المعيشية والصيانة للمواطن والتنافس في تطويرها، والدافع نجاحه لا أرباح الشركات ونفعيتها المتطرفة، ولا بأس من نقد أو تطوير هذا المقترح، المهم لنا جميعا أن تبدأ المؤسسات الرسمية بتفعيل عناصر هذا السوق ليكفي الراتب الحاجة قبل أن يسرقه رأس المال الجشع.