الآن الأسرة الإعلامية في الصحافة والإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء، والعاملون في الإعلان بكل تفرعاته، وكذلك العاملون في العلاقات العامة، وما يتطور الآن تحت مفهوم الاتصال الإعلامي المؤسسي، وأيضا تنظيم وإدارة المناسبات الإعلامية، والإنتاج الدرامي والسينمائي، كل هذه أمامها فرصة تاريخية لإطلاق حقبة جديدة للإعلام السعودي، وللمضي قدما في توسيع دائرة التواصل بين الإعلام والثقافة.
إنها حقبة التحول بالإعلام من (الهواة إلى الاحترافية)، من (مهنة من لا مهنة له)، إلى (صناعة) رائدة تواكب النمو النوعي المحترف لعدد من المهن في بلادنا حيث تتطور وتتشكل على قواعد وأصول المهن كما هو الحال في المجتمعات التي سبقتنا في تجربة تنظيم المهن.
نتطلع لأن نرى الإعلام السعودي (منظومة متكاملة متناغمة) في مسار إنتاج المادة الإعلامية بحيث تتعاظم الفائدة المضافة للاقتصاد الوطني مع كل مراحل إنتاج المادة الإعلامية، ونحن هنا لا نتحدث عن سوق صغيرة، نتحدث عن صناعة ربما تتجاوز مدخلاتها أكثر من عشرين مليار ريال سنويا، صناعة حاضنة للمشاريع المتوسطة والصغيرة، ومولدة للوظائف.
القطاع الذي نتحدث عنه.. نتطلع إلى تجديد حيويته والبناء على مكتسباته، بالذات مكتسبات البنية الأساسية سواء التي استثمرت فيها الدولة، أو التي أوجدها القطاع الخاص. من مصلحتنا (اعادة هيكلة القطاع) حتى يأخذ المسار الذي يخدم الموارد البشرية، حتى تستقر وتكون أكثر أمانا وظيفيا. في السنوات الماضية أصبح الإعلام قطاعا طاردا للموارد البشرية المحترفة.
هذه الموارد وجدت الفرصة البديلة في الشركات والمؤسسات التي نمت في قطاع الخدمات. كذلك توسع سوق الأسهم أوجد بيئة منافسة، فالشركات الجديدة جلبت معها احتياجات واسعة للتواصل الإعلامي والاجتماعي، وهذا أوجد فرصا مغرية للكثير من الإعلاميين للانتقال إليها مع استقرار معدلات الأجور في قطاع الإعلام لسنوات طويلة عند مستويات متدنية بالذات العاملون في (الميدان)، واجهة المهنة. لقد كان قطاع الإعلام بدون أمان وظيفي لمن دخلوا المهنة مبكرا، من درجات السلم الأولى، وكانت النتيجة أن قفز إلى المواقع المشغولة العابرون إلى مصالحهم الخاصة!
السعوديون لم يستفيدوا من هذا القطاع بما يوازي حجم الاستثمارات في الإعلام. في العقود الماضية، مئات الملايين تدفقت للاستثمار في هذا القطاع، والسعوديون هم المستثمر الأكبر في الإعلام العربي، ولو تم جمع الاستثمارات المالية خلال العقود الأربعة الماضية لخرجنا برقم مخيف، ولربما (فجعنا) ونحن نرى كيف أن هذه الاستثمارات أصبح جزء منها ضد مصالحنا العليا الوطنية، في التوظيف والعمل وفي التأثير على تماسك الجبهة الداخلية!!
في الإعلام السعودي، نحن نتحدث عن مجال واسع للأنشطة، يتجاوز المجالات التقليدية. الساحة تكبر في مجال إنتاج المحتوى المقروء، وفي حقل الإنتاج التلفزيوني والإذاعي، وفي مجالات الإعلان المختلفة، مثل : الإبداع والتخطيط والتسويق، وحتى العلاقات العامة كبرت وتوسعت، ودخول وسائط التواصل الاجتماعي بقوة في المشهد، ربما توضع في اطار التحدي الوجودي للإعلام التقليدي، لكنها أيضا حافلة بالفرص الاستثمارية للشباب السعودي وللمؤسسات الصحفية والشركات الإعلامية.
أيضا لدينا استثمارات كبيرة في النقل وفي اقتصاد المعرفة، وهذه سوف تجلب فرصا جديدة للإعلان. وعموما الاقتصاد السعودي في طفرة نمو رأسي وأفقي، وسوف يجلب العديد من المنافع لقطاع الإعلام.
الدكتور عبدالعزيز الخضيري قيادي، عمل طويلا في مجالات التنمية الإنسانية والاجتماعية، والعمرانية، وقاد العمل في مشروع الإستراتيجية العمرانية الوطنية لأكثر من خمسة عشر عاما، وهي الإستراتيجية التي دخلت دراساتها وأبحاثها في جميع الشأن الوطني. أيضا عمل لفترة طويلة في الادارة المحلية، في عسير وفي مكة المكرمة. كما انه قارئ مطلع وقائد رأي متميز عبر مشاركاته الإعلامية، وناشط بقوة في أوساط الشباب لتحفيزهم على العمل التطوعي.
هذا الرصيد في التجربة الوطنية المعززة بالقدرات الشخصية القيادية، وبالذات بناء المؤسسات، بالاضافة إلى المهارة في ادارة الوقت ودقة المواعيد، والتواضع والقرب من العاملين معه، هذه مناقب مبنية في شخصيته واكتسبها في مسيرة عمله الطويلة، وهي مما يتميز به الدكتور عبدالعزيز.. كل هذه عوامل نذكرها هنا لهدف موضوعي حتى تستثمرها الأسرة الإعلامية وتضع يدها وجهدها معه، لبناء صناعة إعلامية سعودية تقوم على العمل المؤسسي المستدام.
احتياجات بلادنا التنموية، بالذات فتح فرص العمل والتجارة للشباب، تأتي في قائمة التحديات الوطنية، ويفترض أن يكون لدى كل منشآت الحكومة هدف استراتيجي تُطالب بتحقيقه وهو فتح فرص العمل والتجارة للشباب. وزارة الثقافة والإعلام إذا عملت على تنظيم القطاع، سوف تفتح آلاف الفرص للشباب. يتحقق ذلك عبر انشاء (الشركات الوطنية المساهمة) التي تعمل في الإعلان والإنتاج الدرامي والسينمائي.
لقد كانت هناك مطالبات لوزارة الإعلام منذ أكثر من عشرين عاما لإنشاء شركة للإنتاج الدرامي بحيث تكون أداة وذراعا وطنية تستثمر في الاحتياجات الوطنية الرئيسية وفي أوقات الأزمات. كما كانت هناك مطالبات منذ عشر سنوات بضرورة تدخل الدولة لتنظيم سوق الإعلان والعلاقات العامة الذي هرب منه السعوديون بفعل الفساد في بعض الممارسات، وهذا الفساد أدى إلى نمو (الاحتكار) في القطاع، وهو احتكار يتعاظم ويكبر في السنوات الأخيرة.
هذا الاحتكار إذا لم تحاصره الجهود الحكومية الذكية سوف تتجاوز آثاره طرد السعوديين وحرمانهم مكتسبات الصناعة، إلى تهديد الأمن الوطني والفكري والاجتماعي، وإلى المساهمة في تهديد الهوية الوطنية، وتكريس مشروع اغتيال الشخصية الوطنية للمواطن السعودي.
ربما هذا يتطلب تعاون الإخوة في مجلس الأمن الوطني مع وزارة الثقافة والإعلام، ومجلس حماية المنافسة لمعالجة هذا الملف. شركات الإعلان الكبرى تتدخل بقوة في تحديد توجهات المحتوى الاعلامي، وفي توجيه محتوى التواصل الاجتماعي ايضا.
المهددات العديدة لأمننا الوطني، داخليا وخارجيا، أصبحت واضحة ومكشوفة الأهداف، وإذا التوجهات والممارسات الاعلامية بقيت بعيدة عن ادراك متطلبات الأمن الوطني والفكري لمجتمعنا فهذه مصيبة، والمصيبة أعظم اذا هي تعمل ضدها!
نجاح وزير الثقافة والإعلام في مهمته.. هو إنجاح لمشروع الملك عبدالله لتطوير الإعلام. الملك عبدالله دفع بقوة لأجل أن يقوم الإعلام السعودي بواجباته عبر توسيع دائرة ممارسة المسؤولية الوطنية للإعلام. لقد رفع سقف الحرية الإعلامية المنضبطة بالآداب الإسلامية، والمسؤولية الاخلاقية الموضوعية في التناول الإعلامي، والملك عبدالله حمى الممارسة الإعلامية من اخطائها وتقصيرها حتى تتسع أمامها الفرصة لتتعلم.
يهمنا نجاح مشروع الملك عبدالله، يحفظه الله، على جبهة جديدة، وهي توسيع بناء منظومة الإعلام وتحويله إلى عمل مؤسسات محترفة في آلياتها وفي اداء مواردها البشرية، واذا تحقق هذا فسيكون مكسبا كبيرا لبلادنا وللعاملين في قطاع الإعلام، وسوف يعدل (النخلة العوجاء)، فأكبر مكتسبات إعلامنا ليست لنا، وأيضا حتى لا يكون إعلامنا (شوكة في حلوقنا!)