البحرينيون، بمختلف مرجعياتهم، بعد الانتخابات الاخيرة لديهم احساس انهم انتصروا لأجل مستقبلهم، وفرحوا باستعادة (روحهم الاصيلة) النبيلة التي جمعتهم لمئات السنين، وبالتأكيد انهم اكتشفوا ان الانشقاق السياسي الطائفي حالة غريبة عليهم، فالمحاصصة الطائفية او السياسية او المناطقية او القبلية او الطبقية، كلها بلوى المجتمعات ومصدر شرورها، فهذه معركة خاسرة، الذي ينتصر فيها الان يخسر مستقبله. النخبة السياسية والثقافية ورجال الدين في البحرين يحسب لهم حكمتهم ومبادرتهم لاستعادة هذه الروح، حيث دخلت النخبة القائدة بقوة انتصارا للتعايش المشترك والسلم الاجتماعي، وتولت تنوير الجماهير بان ما يحدث في المنطقة هو مشروع خراب نراه في العراق وسوريا، وشاهدناه في لبنان.. ومشروع الدمار هذا لا ندري الى أين يمضي! لا أحد يقف ضد تحديث وتطوير ذهنية الحكم وآليات الإدارة في منطقتنا، هذا هدف نبيل. ما علينا ادراكه هو ان هذا الهدف النبيل لن يأتِي به محتل على ظهر دبابة، بل هو مشروع تضحية مشتركة ينمو ويتطور بالعمل وبالنضال السلميين اللذين يقومان على تبني هدف واضح للعيش بسلام وامان من جميع الناس. هذا الموضوع تقديمه للنقاش ربما تأتي المبررات التي تسنده من طرف أرى انه محايد ويرى الاوضاع بصورتها الشاملة المتحررة من أية قيود. إنه رأي الروائي والمفكر أمين معلوف، فهذا المبدع يسبح بعيدا في فضائه الخاص، وينظر الى عالمنا برؤية اقرب الى المرارة والاسى، ولكنه لا يمل من طرح الأسئلة والتعب في البحث عن الاجابات. في كتابه الفكري التأملي الفلسفي (اختلال العالم)، يرى ان الغرب فشل وما زال يفشل في نقل حضارته ومعطيات تقدمه الى خارج إطاره، وهو محق فأحد مظاهر هذا الفشل سعيه، بالذات امريكا، الى فرض الديمقراطية بعد ان أمضى العقود يجرف وينهب موارد الشعوب في إفريقيا وآسيا، وترتب على حالة التجريف هذه انقلاب في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ما زالت آثارها المدمرة مستمرة الى الان. انظروا الان الى مشروع الشرق الأوسط الكبير. انه الحلقة الثانية لمشروع (اللعبة الكبرى) التي دارت قبل قرن ونصف في اسيا، وترتب عليها تدمير دول وتهجير شعوب.. انه فصل من التاريخ حافل بالمآسي، والان القوى العظمى الجديدة تستعيد أدوات اللعبة ومطامعها. المحاصصة الطائفية التي نرى الان شرورها، وندرك انها (ام المآسي) يرى معلوف انها هي مصدر مآسي العراق، قال هذا منذ سبع سنوات ولا ندري كيف يصف الوضع الذي دخل فيه العراق الان. في جانب من تقييمه للوضع في العراق، كأحد صور الخلل في عالمنا المعاصر، يرى معلوف ان السلطات الامريكية فتحت باب الجحيم عندما سعت لإقامة نظام للتمثيل السياسي يرتكز على الانتماء الديني او الاثني، وهذا كما يقول (هو الذي أحدث انقلابا لا سابق له في العراق) . هذا الوضع في العراق له سابقة في لبنان، يقول: (ولما كنت رصدت هذا عن كثب في لبنان وغيره، فبوسعي ان اشهد بأن الطائفية لا تشجع على تفتح الديمقراطية إطلاقا! أقول هذا واعتبره حتى تعبيرا ملطفا خجولا عن الواقع. الطائفية إنكار لفكرة المواطنة بالذات، ولا يمكن بناء نظام سياسي متمدن على أساس كهذا). ويستخلص ان مبدأ المحاصصة امر وخيم مدمر اذ انه يقسم الأمة بصورة مديدة الى عشائر. ويقول: (ان تقديم الديمقراطية الكبيرة الامريكية الى الشعب العراقي، هذه الهدية المسمومة التي هي تكريس للطائفية هو ببساطة خزي وعار. وإذا كانت قد فعلت هذا عن جهل، فتلك مصيبة، وإذا هي فعلته بقصد لئيم، فتلك جريمة) ص 57. في البحرين يوصف المشهد السياسي الجديد بانه (انتصار للوطنية على الطائفية)، وهذه خطوة مهمة يجب استثمارها لنقل الحياة السياسية في جميع دول الخليج الى مرحلة تعمق علاقة الشراكة بين الشعوب والقيادات، ففي البحرين تحقق هذا الإنجاز بعد تضحيات ومعاناة من الأطراف جميعا، وجلالة الملك حمد وحكومته يؤسسون لمرحلة جديدة لتطوير البحرين عبر تطوير مشاريع الاسكان وتسريع الاستثمارات في البنية الاساسية حتى يكون خير البحرين لاهلها، بالذات فئة الشباب الذين يستحقون كل عناية واهتمام من الحكومة. دول الخليج تحدث نقلات رئيسية في البنية السياسية والاقتصادية، وثمار هذه النقلات سوف تلمسها الشعوب في العقود القادمة، وكل الذي نرجوه ان تتماسك الجبهة الداخلية، وأن نؤمن ان أفضل طريقه للتنبؤ بالمستقبل هو ان نتشارك في صناعته.