منذ بداية ظهور النفط في المملكة قبل أكثر من سبعين عاماً بشكل تجاري وتدفق الإنتاج من بئر الدمام رقم 7 عام 1938م والمملكة العربية السعودية تتحول شيئاً فشيئا من تلك الدولة الصحراوية ذات البيئة النقية البكر التي يعتمد سكانها على الزراعة في الواحات الوفيرة الماء وصيد الأسماك في السواحل والرعي في البادية، إلى دولة نامية تسابق ركب الحضارة ببناء كافة مرافق البنية التحتية الأساسية لمواكبة وضعها الجديد كأكبر منتج ومصدر للنفط.
تلازم هذا البناء والإنتاج الكبير للنفط وتكريره وصناعة مشتقاته وإنشاء المدن الصناعية مع الإضرار بالبيئة بصورة كبيرة جداً وخصوصاً في مناطق استخراج النفط والصناعة، فبعد أن كانت واحتا القطيف و الأحساء تغصان بغابات النخيل وعيون الماء العذب، أصبحتا الآن تتصحران بصورة خطيرة فقد جفت أغلب عيون الماء بسبب عمليات استخراج النفط وضخ المياه الجوفية إلى مكامن النفط والغاز من أجل عمليات الاستخراج وهذا أثر سلباً على الزراعة. وكل المتوفر من مياه جوفية الآن عبارة عن آبار عميقة يتم استخراج مياهها المالحة بواسطة المضخات بعد أن كانت تفور فوراناً وتجري في جداول صغيرة بين مزارع النخيل. لم يقتصر الأمر على عمليات استخراج النفط والتكرير والصناعات المرتبطة به، فبعد حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت شكلت المخلفات العسكرية الاشعاعية خطراً كبيراً على صحة السكان فانتشرت أمراض السرطان في المنطقة بشكل كبير وملحوظ في السنوات الفائتة.
في الواقع إذا أردنا الحديث عن الأضرار التي لحقت بالبيئة على مدى العقود الفائتة بشكل مفصل
وكامل فإننا سنحتاج إلى عشرات بل مئات المقالات والأبحاث، ولكي يكون الحديث مركزا بشكل أكبر
ومختصرا فانني سأتناول مبادرة مجلس الشورى بإنشاء وزارة للبيئة تحافظ وتحمي ما تبقى منها وتعيد الحياة لما تلف وتضرر. فما هو المأمول من هذه الوزارة؟
هذه المبادرة التي دعا إليها عضو مجلس الشورى الأستاذ محمد رضا نصر الله وصوت عليها أعضاء المجلس بالإجماع تأتي كبادرة أولى نحو تنظيم جهود المؤسسات والهيئات القائمة الآن والتي تهتم بالبيئة كالهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية ومصلحة الأرصاد وحماية البيئة وغيرهما، وتستوعبها في قالب وزاري كامل ينظم أعمالها جنباً إلى جنب مع الوزارات الأخرى التي تتداخل نشاطاتها مع موضوع البيئة كوزارة الصناعة ووزارة البترول والزراعة والشئون البلدية والصحة.
أهمية وجود وزارة للبيئة تتبلور وتكمن في أن الوزارة يجب أن تشرف على كافة مشاريع الوزارات الأخرى أو مشاريع القطاع الخاص والتأكد من ملاءمتها للاشتراطات البيئية والصحية قبل البدء بتنفيذها، كما أنها يجب أن تراجع وضع المشاريع القائمة حالياً والتوجيه بتصحيح الخلل السلبي القائم وسن قوانين
ولوائح تنظيمية تتبعها إجراءات وعقوبات جزائية على المخالفين.
يجب أن يكون من أولويات هذه الوزارة إعادة الحياة إلى البيئة الفطرية المتضررة سواء البرية منها أو البحرية وخصوصاً تلك التي تؤثر بشكل خاص على صحة الناس كالتلوث الإشعاعي الناتج عن مخلفات حرب الخليج والتلوث الذي أصاب الثروة السمكية وهي مصدر غذائي مهم يؤثر مباشرة في صحة الإنسان والناتج عن رمي النفايات الكيميائية والنفطية والعضوية في البحر وردم السواحل. نريدها وزارة ذات سلطة وصلاحيات واسعة وأن لا يقتصر عملها على الجانب التوعوي أو الإشرافي فقط، نريدها وزارة ذات رؤية مستقبلية متقدمة مبنية على الدراسات والأبحاث العلمية المتطورة والتي نرى أن العالم المتقدم بدأ بالاهتمام بها منذ وقت ليس بالقصير، حيث تركز أنظمة المعمار الحديثة الآن على بناء المباني الصديقة للبيئة والتي تحافظ على الطاقة بصورة ذكية وذات الأمر في الصناعة وغيرها، حيث تعمد الدول المتقدمة إلى ابتكار أفضل الحلول العلمية للتخلص من نفاياتها الصناعية وغيرها.
الدعوة لإنشاء وزارة للبيئة نابعة من تحسس الخطر البيئي المحيط بنا وتأثيره الخطير على صحة
وحياة الناس بعد أن أصبح التلوث البيئي يحيط بنا من كافة الجهات براً وبحراً وجواً وأثر على غذائنا الذي تنبته الأرض أو الذي نخرجه من البحر. أعتقد أنه آن الأوان الآن لأن يرد البترول الدين إلى البيئة بعد أن نعمت البلاد من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها بخيراته.